المقدمّة
يظن البعض أنّ التأليف في قواعد اللغة العربية أمر هيّن يسير ؛ ويعود ظنّهم هذا إلى أن أصول العربية راسخة ثابتة في كتب القدماء ، وأنّ قواعدها نهائية مطلقة موضوعة بتفصيل وشروحات لا مزيد عليها ، وأن المصنفات اللغوية الكثيرة لم تترك شيئا يخصّ اللغة العربية ، ويتعلق بها من قريب أو بعيد ، إلا وأفاضت فيه شرحا ، وتوضيحا ، وتمثيلا ، وتطبيقا ، وتقعيدا. فما على المؤلف المعاصر ، وفق ما يرون ، إلّا أن يعود إلى هذه المصنّفات الرّائدة ، فيغترف منها المباحث اللغوية ، ويعمل فيها بعض التلخيص ، ويخرجها في حلّة قشيبة تناسب عصرنا ، ثم يودعها دفتي كتاب تقتصر فضيلته فيه على هذا الإجراء الشكلي من الإخراج والتلخيص فلا يتعداهما.
ولكن أمر التأليف في القواعد في عصرنا الحالي لا يتم بالسهولة واليسر كما يظنون ، وخاصة إذا كان هذا التأليف موجّها للمبتدئين من التلاميذ الذين ينشأون على لهجات عامّية بعيدة كل البعد عن لغة فصحى عريقة ، تضافرت جهود الأجيال على رفع بنيانها ، وجهدت عبقريات الأجداد في وضع أصولها وقواعدها وأنظمتها ؛ وكان على هؤلاء التلاميذ ، وهم على ما هم عليه من نقص في الخبرة والتجربة ، وصغر في السنّ ، وضيق في المدارك ، أن يفقهوها بكلياتها وجزئياتها ، ويتقنوها بحركاتها وسكناتها ، قراءة وكتابة ونطقا.
فإذا كانت القواعد والأصول واحدة لا خلاف جوهريا حولها ، وإذا كان المؤلف لا يملك أن يجدد فيها أو أن يغيّر ويبدّل في أسسها ، فإن إيصال هذه القواعد والأصول إلى أذهان هؤلاء الدارسين على اختلاف مراحلهم الدراسية هو الميدان الفسيح الذي يتبارى فيه المؤلفون في القواعد ، ويتفاضلون في النقص والكمال ، ويتقدم بعضهم على البعض الآخر في الإجادة ، والتجديد ، والابتكار.