نشأة وتطور المعاجم العربية (١)
سبق العرب الأمم الأخرى على اختلاف أجناسها إلى تأليف المعاجم اللغوية ووضع الأسس لجمع مفردات اللغة وتحديد معانيها ، وبيان مشتقاتها ، ابتداء من القرن الثاني الهجري إلى زماننا هذا. فكان منها المعاجم الصغيرة التي يمكن للفرد أن يستفيد منها في سهولة ويسر ، وكان منها المعاجم الكبيرة التي قد تصل إلى عشرين مجلدا أو أكثر ، والتي هي أشبه بالموسوعات اللغوية الأدبية منها بالمعاجم.
بدأت الحركة المعجمية عند العرب في منتصف القرن الأول للهجرة ، وكان غرضها تفسير غريب القرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف. ويعرف هذا النشاط في التاريخ اللغوي بـ «معرفة الغريبين» ، وأقدم مظاهر هذا النشاط «سؤالات نافع من الأزرق» لابن عباس رضياللهعنه ... على أن أقدم كتاب وضع في «غريب القرآن» صنعه (أبان بن تغلب ، (المتوفى ١٤٠ ه)،وبعده كتاب مؤرّج السدوسي ،(المتوفى ١٩٥ ه)
ثم إنه بعد طروء ظاهرة اللحن بسبب إختلاط العرب بغيرهم من الأمم ، ودخول الناس أفواجا في دين الإسلام باتت الرغبة ملّحة لجمع اللغة الفصيحة من أفواه أصحابها قبل أن يفسدها الأعاجم. ومنذ القرن الثاني الهجري صارت العربية تحصل بالدراسة لا بالممارسة ، وغدت المادة المعجمية ضرورية لهذه الدراسة.
وقد مرت حركة التأليف المعجمي عند العرب بعدة مراحل مبتدئة في القرن الهجري الثاني ، وأخذت تنمو تدريجيا حتى نضجت واكتمل نموها في القرن الرابع الهجري.
ويمكن تحديد هذه المراحل كالآتي :
المرحلة الأولى :
وهي مرحلة تدوين ألفاظ اللغة وتفسيرها بدون ترتيب. وقد سبق التدوين عملية الجمع التي قام بها الرواة والعلماء منذ أواخر القرن الهجري الأول وخلال القرن الهجري الثاني ، عن طريق السماع من عرب البادية واتصالهم المباشر بهم أو أثناء قدومهم إلى المدن ، فضلا عن اعتمادهم على القرآن الكريم والحديث النبوي والأدب ثم أخذ بعض
__________________
(١) انظر «المعاجم والمصطلحات» للدكتور حامد صادق فنيبي.