الرواة يدونون هذا التراث اللغوي في رسائل متفرقة لا تخضع لأي ضرب من ضروب الترتيب والتنسيق.
ولعل كتاب «النوادر في اللغة» لأبي زيد الأنصاري (المتوفى سنة ٢٢٥ ه) خير ما يمثل هذه المرحلة. إذ يورد المؤلف فيه نصوصا شعرية ونثرية مليئة بالمفردات العربية النادرة فيشرحها ويعلق عليها من غير ترتيب في إيراد النصوص أو ربط بين معاني الألفاظ ، وقد يعمد المؤلف إلى ذكر ما كان لدى بعض قبائل العرب من لغات خاصة في الكلام أو من لهجاتهم.
المرحلة الثانية :
في هذه المرحلة اتجه علماء اللغة إلى جمع الألفاظ الخاصة بموضوع معين مستعينين بما خلّفه السابقون من الرواة وظهرت رسائل لغوية صغيرة سميت بالمعاجم الخاصة ، وصلنا بعضها بشكل مخطوط ، وفقد الكثير فيما فقد من كتب التراث.
ومما ألف في هذه المرحلة كتب الأصمعي (٢١٦ ه) في الدارات ، والسلاح ، والإبل ، والخيل ، والنبات ، والشجر ، والنخل والكرم.
وكتب ابن دريد (٣٢١ ه) في المطر واللبن والغرائز. وكتب أبي حنيفة الدينوري (٢٨٢ ه) في الأنواء والنبات. وكتب ابن قتيبة (٢٧٦ ه) في الرحل أو المنزل.
وكل هذه الرسائل كانت المادة الأساسية لمعاجم الألفاظ الكبرى التي ظهرت بعدها.
المرحلة الثالثة :
وهي المرحلة التي بدأ بها وضع معاجم شاملة للغة مرتبة على نمط خاص. فهي أما مرتبة على حسب الموضوعات وتسمى معاجم المعاني ـ أو المعاجم المبوبة ـ وهي امتداد لمعاجم المرحلة الأولى ، أو مرتبة بالنسبة لحروفها لا إلى معانيها وتسمى معاجم الألفاظ أو المعاجم المجنسة.
المصادر التي استقى منها أصحاب المعجمات العربية موادها والمناهج التي التزموها في جمع هذه المواد :
استخلص أصحاب المعجمات العربية معظم ما اشتملت عليه معجماتهم من كتاب الله الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) ، ومن أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومن الأثار العربية في العصر الجاهلي والعصور الإسلامية الأولى ، واستخلصوا