الطبقة الثالثة
من علماء اللغة ، منهم : أبو عبيد القاسم بن سلّام : وكان ديِّناً فاضلاً عالماً أديباً فقيهاً صاحبَ سُنّة ، معنيًّا بعلم القرآن وسُنَن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والبحث عن تفسير الغريب والمعنى المشْكِل.
وله من المصنّفات في «الغريب المؤلَّف».
أخبرني المنذري عن الحسن المؤدّب أن المِسْعَريّ أخبره أنه سمع أبا عبيد يقول : كنت في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة أتلقّف ما فيه من أفواه الرّجال ، فإذا سمعت حرفا عرفت له موقعا في الكتاب بتّ تلك الليلةَ فرِحاً. قال : ثم أقبلَ علينا فقال:أحدكم يستكثر أن يسمعه منّي في سبعة أشهر!
وأخبرني أبو بكر الإياديُّ عن شِمر أنه قال : ما للعرب كتابٌ أحسن من «مصنَّف أبي عبيد». واختلفتُ أنا إلى الإيادي في سماعه سنتين وزيادة ، وكان سمع نسختَه من شِمر بن حَمْدُويةَ ، وضبطه ضبطاً حسناً ، وكتبَ عن شِمر فيه زيادات كثيرة في حواشي نسخته ، وكان رَحِمه الله يُمْكنني من نسخته وزياداتها حتى أعارض نسختي بها ، ثم أقرأها عليه وهو ينظر في كتابه.
ولأبي عبيد من الكتب الشريفة كتابُ «غريب الحديث» ، قرأته من أوّله إلى آخره على أبي محمد عبد الله بن محمد بن هاجَكَ وقلت له : أخبركم أحمد بن عبد الله بن جبلة عن أبي عبيدٍ فأقرَّ به. وكانت نسخته التي سمِعها من ابن جبلة مضبوطةً محكمة ، ثم سمعت الكتاب من أبي الحسين المزَنيّ ، حدّثنا به عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد إلى آخره قراءةً علينا بلفظه.
ولأبي عبيد كتابُ «الأمثال» ، قرأته على أبي الفضل المنذريّ ، وذكر أنه عَرَضَه على أبي الهيثم الرازيّ. وزاد أبو الفضل في هذا الكتاب من فوائده أضعاف الأصل ، فسمِعنا الكتاب بزياداته.
ولأبي عبيد كتابٌ في «معاني القرآن» ، انتهى تأليفه إلى سورة طه ، ولم يتمَّه ، وكان المنذريّ سمعه من علي بن عبد العزيز ، وقُرىء عليه أكثره وأنا حاضر ، فما وقع في كتابي هذا لأبي عبيد عن أصحابه فهو من هذه الجهات التي وصَفتُها.
ومن هذه الطبقة : أبو عبد الله محمد بن زيادٍ المعروفُ بابن الأعرابيّ : كوفيّ الأصل. وكان رجلاً صالحاً ورعاً زاهداً صدوقاً.