وأخبرني بعضُ الثقات أن المفضّل بن محمد كان تزوَّج أمّه ، وأنّه ربيبُه. وقد سمِع من المفضَّل دواوين الشعراء وصحَّحها عليه ، وحفظ من الغريب والنوادر ما لم يحفظْه غيره. وكانت له معرفةٌ بأنساب العرب وأيّامها ، وسمع من الأعراب الذين كانوا ينزلون بظاهر الكوفة من بني أسَدٍ وبني عُقيل فاستكثر ، وجالسَ الكسائيَّ وأخذَ عنه النوادرَ والنحو.
وأخبرني المنذريّ عن المفضَّل بن سلمة عن أبيه أنه قال : جرى ذكر ابن الأعرابي عند الفرّاء فعرَفه وقال : هُنَيٌّ كان يزاحمنا عند المفضَّل!
وكان الغالب عليه الشعرَ ومعانيه ، والنوادر والغريب. وكان محمد بن حبيب البغدادي جمعَ عليه كتابَ «النوادر» ورواه عنه ، وهو كتابٌ حسن. وروى عنه أبو يوسف يعقوب بن السكِّيت ، وأبو عَمرو شِمْر بن حَمْدُوَيه ، وأبو سعيد الضرير ، وأبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني الملقَّب بثعلب.
وأخبرني أبو الفضل المنذريّ أن أبا الهيثم الرازي حثَّه على النهوض إلى أبي العباس ، قال : فرحلتُ إلى العراق ودخلتُ مدينة السلام يومَ الجمعة وما لي هِمّةٌ غيره ، فأتيتُه وعرَّفتُه خبري وقصدي إيّاه ، فاتَّخذَ لي مجلساً في «النوادر» التي سمعها من ابن الأعرابي حتى سمِعتُ الكتابَ كلَّه منه ، قال : وسألته عن حروف كانت أشكلت على أبي الهيثم ، فأجابني عنها.
وكان شِمر بن حَمْدويه جالس ابن الأعرابيّ دهراً وسمع منه دواوين الشعر وتفسير غريبها. وكان أبو إسحاق الحربيّ سمع من ابن الأعرابي ، وسمع المنذري منه شيئاً كثيراً. فما وقع في كتابي لابن الأعرابي فهو من هذه الجهات ، إلّا ما وقع فيه لأبي عُمَر الورَّاق ، فإن كتابه الذي سمَّاه «الياقوتة» وجَمَعَه على أبي العباس أحمد بن يحيى وغيره ، حُمِل إلينا مسموعاً منه مضبوطاً من أوَّله إلى آخره. ونهضَ ناهضٌ من عندنا إلى بغداد ، فسألته أن يذكر لأبي عُمَر الكتاب الذي وقع إلينا وصورتَه وصاحبَه الذي سمعه منه ، قال : فرأيت أبا عُمر وعرَّفته الكتاب فعرَفه ، قال : ثم سألته إجازتَه لمن وقَع إليه فأجازه. وهو كتابٌ حسن ، وفيه غرائب جَمَّة ، ونوادر عجيبة ، وقد تصفّحته مراراً فما رأيت فيه تصحيفاً.
ومن هذه الطبقة : أبو الحسن علي بن حازم اللِّحياني : أخبرني المنذريّ عن أبي جعفر الغَسَّانيّ عن سَلَمة بن عاصم أنّه قال : كان اللِّحياني من أحفظ الناس للنوادر عن الكسائي والفرّاء والأحمر ، قال : وأخبرني أنّه كان يَدْرُسها بالليل والنهار ، حتى في الخلاء.