والغريب ، صدوقاً ، يروي عنه أبو تراب وغيره.
قال أحمد بن محمد البُشتي : استخرجت ما وضعتُه في كتابي من هذه الكتب.
ثم قال : ولعلّ بعض الناس يبتغي العنتَ بتهجينه والقدح فيه ، لأني أسندت ما فيه إلى هؤلاء العلماء من غير سماع. قال : وإنّما إخباري عنهم إخبار من صُحفهم ، ولا يُزري ذلك على ما عَرف الغثَّ من السَّمين ، وميز بين الصحيح والسقيم. وقد فعلَ مثلَ ذلك أبو ترابٍ صاحب كتاب «الاعتقاب» ، فإنه روى عن الخليل بن أحمد وأبي عمرو بن العلاء والكسائي ، وبينه وبين هؤلاء فترة.
قال : وكذلك القتيبي ، روى عن سيبويه ، والأصمعي ، وأبي عَمرو ؛ وهو لم يَرَ منهم أحداً.
قلت أنا : قد اعترَف البُشتي بأنه لا سماعَ له في شيء من هذه الكتب ، وأنه نَقل ما نقل إلى كتابه من صُحفهم ، واعتلَّ بأنه لا يُزْري ذلك بمن عرف الغثَّ من السمين.
وليس كما قال ؛ لأنه اعترفَ بأنه صُحُفيّ والصُّحُفي إذا كان رأس ماله صُحفاً قرأها فإنّه يصحّف فيكثِر ، وذلك أنه يُخبر عن كتبٍ لم يَسمعْها ، ودفاتر لا يدري أصحيحٌ ما كُتب فيها أم لا. وإنّ أكثر ما قرأنا من الصحف التي لم تُضبَط بالنقْط الصحيح ، ولم يتولَّ تصحيحَها أهل المعرفة ـ لسقيمةٌ لا يعتمدها إلّا جاهل.
وأما قوله : إن غيره من المصنفين رووا في كتبهم عمن لم يسمعوا منه مثل أبي تراب والقتيبي ، فليس رواية هذين الرجلين عمّن لم يرياه حجةً له ، لأنهما وإن كانا لم يسمعا من كل من رويا عنه فقد سمعا من جماعة الثقات المأمونين. فأمّا أبو تراب فإنه شاهد أبا سعيد الضرير سنين كثيرة ، وسمع منه كتباً جَمَّة. ثم رحل إلى هَرَاة فسمع من شِمرٍ بعض كتبه. هذا سوى ما سمع من الأعراب الفصحاء لفظاً ، وحفظه من أفواههم خِطاباً. فإذا ذكر رجلاً لم يَرَه ولم يسمع منهُ سومِحَ فيه وقيل : لعلَّه حفظ ما رأى له في الكتب من جهة سماعٍ ثبت له ، فصار قول من لم يره تأييداً لما كان سمعه من غيره ، كما يفعل علماء المحدِّثينَ ؛ فإنهم إذا صحَّ لهم في الباب حديثٌ رواه لهم الثقات عن الثقات أثبتوه واعتمدوا عليه ، ثم ألحقوا به ما يؤيده من الأخبار التي أخذوها إجازة.
وأما القُتَيبيُّ فإنّه رجل سمع من أبي حاتم السِّجْزيّ كتبَه ، ومن الرياشيّ سمع فوائد جمّة ، وكانا من المعرفة والإتقان بحيث تُثنى بهما الخناصر ؛ وسمِعَ من أبي سعيد الضرير ، وسمع كتب أبي عبيد ، وسمع من ابن أخي الأصمعيّ ، وهما من الشهرة وذهاب الصِّيت والتأليف الحسن ، بحيث يُعفَى لهما عن خطيئة غلطٍ ، ونَبْذِ زلة تقع في