قلت : هذا تَصحيفٌ منكر ، والصواب أغللت الإبلَ بالغين ، وهي إبلٌ غالة. أخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم عن نُصيرٍ الرازي قال : صَدَرت الإبل غالةً وغوَالَّ ، وقد أغللتُها ، من الغُلّة والغليل ، وهو حرارة العطش. وأما أعللت الإبل وعللتُها فهما ضدُّ أغللتها ، لأن معنى أعللتها وعللتها أن يسقيها الشربة الثانيةَ ثم يُصدرَها رواءً ، وإذا عَلّت الإبلُ فقد رويتْ. ومنه قولهم : عرضَ عليَّ سَوْمَ عالَّة. وقد فُسر في موضعه.
وروى البُشتي في «باب العين والنون» قال الخليل : العُنَّة : الحظيرَة ، وجمعُها العُنَن. وأنشد :
ورَطْبٍ يُرفَّعُ فَوقَ العُننْ
قال البُشتيّ : العُنَن هاهنا : حِبال تُشدُّ ويُلقَى عليها لحمُ القديد.
قلتُ : والصواب في العُنَّة والعُنَن ما قاله الخليل إن كان قاله. وقد رأيتُ حُظُرات الإبل في البادية تسوَّى من العَرْفَج والرِّمث في مَهَبِّ الشمال ، كالجدار المرفوع قدرَ قامةٍ ، لتُناخَ الإبل فيها ، وهي تقيها بردَ الشمال ورأيتهم يسمُّونها عُنَناً لاعتنانها معترضةً في مهبّ الشمال. وإذا يبست هذه الحُظُرات فنحروا جزوراً شرّروا لحمها المقدَّدَ فوقها فيجفُّ عليها.
ولست أدري عمن أخذ ما قاله في العُنّة أنه الحبل الممدود. ومدّ الحبل من فِعل الحاضرة. ولعل قائله رأى فقراء الحَرَم يمدون الحبال بمنى فيلقون عليها لحوم الهَدْي والأضاحي التي يُعطَوْنَها ، ففسر قول الأعشى بما رأى. ولو شاهد العربَ في باديتها لعلم أنّ العنة هي الحِظار من الشجر.
وأنشد أحمد البُشتي :
يا رُبَّ شيخٍ منهم عِنِّينِ |
عن الطعان وعن التجفين |
قال البشتي في قوله : «وعن التجفين» هو من الجفان ، أي لا يُطعم فيها.
قلت : والتجفين في هذا البيت من الجِفان والإطعام فيها خطأ ، والتجفين هاهنا : كثْرة الجماع. رواه أبو العباس عن ابن الأعرابيّ. وقال أعرابي : «أضواني دوامُ التجفين» ، أي أنحفَني وَهزَلني الدوامُ على الجماع. ويكون التجفين في غير هذا الموضع نحر الناقة وطبخَ لحمها وإطعامَه في الجِفان. ويقال : جَفن فلانٌ ناقةً ، إذا فعل ذلك.
وذكر البُشتي أنّ عبد الملك بن مروان قال لشيخ من غَطَفان : صف لي النساء.