تهذيب اللغة [ ج ٢ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في تهذيب اللغة

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

ماءً ثَجَّاجاً) [النّبأ : ١٤] روي عن ابن عباس أنه قال : المُعْصِرات : هي الرياح. قال الأزهري : سمّيت الرياح مُعْصِرات إذا كانت ذواتِ أعاصِير ، واحدها إعصار ، من قول الله جلّ وعزَّ : (إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ) [البقرة : ٢٦٦]. والإعصار : هي الريح التي تَهُبُّ من الأرض كالعَمُود الساطع نحو السماء ، وهي التي يسمّيها بعض الناس الزّوْبَعة ، وهي ريح شديدة ، لا يقال لها إعصار حتى تَهُبّ كذلك بشدة. ومنه قول العرب في أمثالها :

إن كنتَ ريحاً فقد لاقيتَ إعصارا

يضرب مَثَلاً للرجل يَلْقَى قِرْنه في النَجْدة والبَسَالة. وقال ابن الأعرابيّ يقال : إعصار وعِصَار ، وهو أن تَهيج الريحُ الترابَ فترفعه. وقال أبو زيد : الإعصار : الريح التي تَسْطَع في السماء. وجمع الإعصار الأعاصير ، وأنشد الأصمعيّ :

وبينما المرءُ في الأحياء مغتبِط

إذا هو الرَمْس تعفوه الأعاصير

وروي عن أبي العالية أنه قال في قوله : (مِنَ الْمُعْصِراتِ) : [النبأ : ١٧] إنها السحاب. قلت : وهذا أشبه بما أراد الله جلَّ وعزَّ ؛ لأن الأعاصير من الرياح ليست من رياح المطر ، وقد ذكر الله أنه يُنزل منها (ماءً ثَجَّاجاً).

العصر : المطر ، قال ذو الرمة :

وتَبْسِم لَمْع البرق عن متوضّح

كلون الأقاحي شاف ألوانَها العَصْرُ

وقولُ النابغة :

تَنَاذرها الراقُون من سُوء سمّها

تراسلهم عصراً وعصراً تراجع

عصراً أي مرّة. والعُصَارة : الغَلَّة. ومنه يقرأ. وفيه تَعْصِرون [يوسف : ٤٩] أي تستغلون. وعَصَر الزرع : صار في أكمامه. والعَصْرة شجرة. وقال الفرّاء. السحابة المُعْصِر : التي تتحلّب بالمطر ولما تجتمع ، مثل الجارية المعصر قد كادت تحيض ولما تحِضْ. وقال أبو إسحاق : المعصِرات : السحائب ، لأنها تُعْصِر الماء. وقيل مُعْصِرات كما يقال : أجزَّ الزرعُ إذا صار إلى أن يُجَزَّ ، وكذلك صار السحاب إلى أن يمطر فيعصر. وقال البَعِيث في المعصرات فجعلها سحائب ذوات المطر فقال :

وذي أُشُر كالأُقحوان تشوفُه

ذِهابُ الصَّبَا والمُعْصِرات الدوالحُ

والدوالح من نعت السحاب لا من نعت الرياح ، وهي التي أثقلها الماء فهي تَدْلَحُ أي تمشي مشي المُثْقَل ، والذِهاب الأمطار. وقال بعضهم : المعصِرات ، الرياح. قال : و (مِنَ) في قوله : (مِنَ الْمُعْصِراتِ) [النبأ : ١٤] قامت مقام الباء الزائدة ، كأنه قال : وأنزلنا بالمعصرات ماء ثَجَّاجاً. قلت : والقول هو الأول. وأمَّا ما قاله الفرّاء في المُعْصِر من الجواري : إنها التي دنت من الحيض ولمَّا تحِض فإن أهل اللغة خالفوه في تفسير المعصر ، فقال أبو عُبَيد عن أصحابه : إذا أدركت الجاريةُ فهي مُعْصِر ، وأنشد :

قد أعصرت أو قد دنا إعصارها