وقال أبو عبيد : سألت الفرّاء لِمَ ارتفع لَعَمْرُكَ [الحجر : ٧٢] فقال : على إضمار قسم ثان ، كأنه قال : وعَمْرِك فلعمرُك عظيم ، وكذلك لحياتك مثله.
قال : وصدَّقَه الأحمر وقال : الدليل على ذلك قول الله جلّ وعزّ : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ) [النِّساء : ٨٧] كأنه أراد : والله ليجمعنّكم فأضمر القَسَم. وقال أبو العباس أحمد بن يحيى : قال الأخفش في قوله : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ) : وعَيْشِك وإنما يريد به العُمْرُ.
وقال أهل البصرة : أضمر له ما يرفعه : لعمرك المحلوفُ به. قال الفرّاء : الأَيمان يرفعها جواباتها : وقال : إذا أدخلوا اللام رفعوا. وقال المبرّد في قولك : عَمْرَ الله : إن شئت جعلت نصبه بفعل أضمرته ، وإن شئت نصبته بواو حذفته : وعَمْرِكَ الله. وإن شئت كان على قولك : عمّرتك الله تعميراً ، ونشدتُك الله نَشْداً ، ثم وضعت عمرك في موضع التعمير وأنشد فيه :
عَمْرتُكِ الله إلّا ما ذكرتِ لنا |
هل كنتِ جارتنا أيام ذي سَلَم |
يريد : ذكّرتك. وقال الليث : تقول العرب : لعمرك ، تحليف بعُمر المخاطَب. قال : وقد نُهي عن أن يقال : لعمر الله. قال : وفي لغة لهم : رَعَمْلُك يريدون : لعمرك. قال : وتقول : إنك عمري لظريف. وأخبرني المنذري عن الحَرّانيّ عن ابن السكّيت قال : يقال : لعمرك ولعمر أبيك ولعمر الله مرفوعة. قال : والعَمْر والعُمْر لغتان فصيحتان ، يقال : قد طال عَمْره وعُمره ؛ فإذا أقسموا فقالوا : لعَمرك وعمرِك وعمري فتحوا العين لا غير. قال : وأمَّا قول ابن أحمر :
ذهب الشباب وأَخلف العَمْر
فيقال : إنه أراد العُمر ، ويقال : أراد بالعَمْر الواحدَ من عمور الأسنان وبين كل سِنَّين لحم متدلٍّ يسمّى العَمْر وجمعه عُمُور. وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال : عَمَرت ربّي أي عبدته. وفلان عامر لربّه أي عابد. قال : ويقال : تركت فلاناً يعمُر ربَّه أي يعبده. وقال الله جلّ وعزّ : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) [هُود : ٦١] أي أذِن لكم في عمارتها واستخراج قُوتكم منها. وقوله جلّ وعزّ : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) [فَاطِر : ١١] وفُسّر على وجهين : قال الفرّاء : ما يطوَّل من عمر من عمر معمَّر ولا يُنقص من عُمره يريد آخر غير الأول ، ثم كنّى بالهاء كأنه الأول. ومثله في الكلام : عندي درهم ونصفه ، المعنى : ونصف آخر ، فجاز أن يقول : نصفه ؛ لأن لفظ الثاني قد يُظهر كلفظ الأول ، فكنى عنه كنايةَ الأول. قال : وفيها قول آخر : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) يقول : إذا أتى عليه الليل والنهار ونقَصا من عمره. والهاء في هذا المعنى للأول لا لغيره ؛ لأن المعنى : ما يطوَّل ولا يذهب منه شيء إلَّا وهو مُحْصًى في كتاب ، وكلٌّ حسن ، وكأن الأوّل أشبه بالصواب ، وهو قول ابن عباس ، والثاني قول سعيد بن جُبَير. وقال