جمع عالَم. قال : ولا واحد لعالَم من لفظه ؛ لأن عالَماً جَمْع أشياء مختلفة فإن جعل عالم لواحد منها صار جمعاً لأشياء متَّفقة. قلت : فهذه جملة ما قيل في تفسير العالم. وهو اسم بني على مثال فاعَل ؛ كما قالوا : خاتم وطابَع ودانَقَ.
وأمَّا قول الله جلّ وعزّ : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) [البَقَرَة : ١٠٢] تكلم أهل التفسير في هذه الآية قديماً وحديثاً. وأبين الوجوه التي تأولوا : أن المَلكين كانا يعلّمان الناس وغيرهم ما يُسألان عنه ويأمران باجتناب ما حَرُم عليهم ، وطاعة الله فيما أُمروا به ونهوا عنه. وفي ذلك حكمة ، لأن سائلاً لو سأل : ما الزنى؟ وما اللواط؟ لوجب أن يوقف عليه ويُعلَم أنه حرام. فكذلك مَجَاز إعلام المَلَكين الناس السِحْر وأمْرهما السائل باجتنابه بعد الإعلام. وذكر أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : تَعَلَّمْ بمعنى اعلَمْ. قال : ومنه قوله تعالى : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) [البَقَرَة : ١٠٢] قال ومعناه أن الساحر يأتي الملكين فيقول : أخبراني عما نهى الله عنه حتى أنتهي. فيقولان : نهى عن الزنى ، فيستوصفهما الزنى فيصفانه. فيقول : وعمَّا ذا؟ فيقولان : عن اللواط. ثم يقول : وعماذا؟ فيقولان : عن السحر ، فيقول : وما السحر؟ فيقولان : هو كذا فيحفظه وينصرف ، فيخالف فيكفر. فهذا يعلمان ، إنما هو : يُعْلِمان. ولا يكون تعليم السحر إذا كان إعلاماً كفراً ، ولا تعلُّمه إذا كان على معنى الوقوف عليه ليجتنبه كفراً ؛ كما أن من عرف الربا لم يأثم بأنه عرفه ، إنما يأثم بالعمل. قلت : وليس كتابنا هذا مقصوراً على علم القرآن فنودع موضع المشكل كل ما قيل فيه وإنما نثبت فيه ما نستَصْوبه وما لا يستغني أهلُ اللغة عن معرفته.
ومِنْ صفات الله العليم والعالِم والعلَّام.
قال الله جل وعز : (وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) [يس : ٨١]
وقال : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [الأنعام : ٧٣].
وقال في موضع آخر : (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [سَبَإ : ٤٨] فهو الله العالِم بما كان وما يكون كَوْنه ، وبما يكون ولمّا يكن بعد قبل أن يكون.
ولم يزل عالماً ، ولا يزال عالِماً بما كان وما يكون ، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
ويجوز أن يقال للإنسان الذي علَّمه الله عِلماً من العلوم : عليم ؛ كما قال يوسُف للمِلك : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف : ٥٥]. وقال الله جلّ وعزّ : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فَاطِر : ٢٨] فأخبر ـ جلَّ وعزَّ ـ أن من عباده مَن يخشاه وأنهم هم العلماء.
وكذلك صفة يوسف كان عليماً بأمر ربّه وأنه واحد (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ؛ إلى ما عَلَّمه الله (مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) الذي كان يقضي به على الغيب ، فكان عليماً بما علَّمه الله.