جِهتهِ ، فكأنَ الساحِرَ لمّا أَرَى البَاطِلَ في صُورَةِ الحق ، وخَيَّلَ الشيءَ على غير حقيقته ، فقد سَحَر الشيءَ عن وجهه أي صَرَفَه. وقال بعضُ أهل اللغة في قوله جلّ وعزّ : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) [الإسرَاء : ٤٧] قولين : أحدهما أنه ذو سَحْرٍ مِثْلُنا ، والثاني أنه سُحِرَ وأزيل عن حد الاستواء.
وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : السِّحْرُ : الخَدِيعَةُ ، والسَّحَرُ ، قِطْعةٌ من الليل. وقوله عزوجل : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) [الزّخرُف : ٤٩]. يقول القائل : كيف قالوا لموسى : يا أيها الساحر وهم يزعمون أنهم مهتدون ، فالجواب في ذلك أن السَّاحر عندهم كان نَعْتاً محموداً ، والسِّحْرُ كان عِلْماً مرغوباً فيه : فقالوا : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) على جهة التعظيم له ، وخاطبوه بما تَقدّم له عندهم من التَّسْمِيَة بالساحر إذ جاء بالمعجزات التي لم يعهدوا مثلها ولم يكن السحر عندهم كفراً ولا كان مما يتَعايَرون به ، ولذلك قالوا له : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ).
وقال الليث : وشيء يَلْعَبُ به الصِّبيان إذا مُدَّ خرجَ على لَوْن وإذا مُدَّ من جانِبٍ آخر خرج على لون آخر مخالف للأول ويُسمَّى السَّحَّارَةَ ، قال : والسِّحْرُ : الغِذَاءُ ، وأنشد :
أرانا مُوضِعِين لحَتْم غَيْبٍ |
ونُسْحَرُ بالطَّعَام وبالشَّرَاب |
وقال غيره : معنى نُسْحَرُ بالطعام أي نُعَلَّلُ به.
وقال الليث : السَّحَرُ : آخِرُ الليل ، تقول : لَقيتُه سُحْرةَ يا هذا ، وسُحرَةً بالتنوين ، ولَقيتُه سَحَراً وسَحَرَ بلا تنوين ، ولَقيتُه بالسَّحرِ الأعلى ولقِيتُه بأعلى سَحَرينِ ولقِيتُه بأعلى السَّحَرَين ، وقال العجّاج :
* غَدَا بأَعْلَى سَحَرٍ وأَحْرَسا*
قال : وهو خطأ ، كان ينبغي له أن يقول : بأَعلى سَحَرَيْن ، لأنه أولُ تنفُّس الصبح ، كما قال :
* مَرَّتْ بأَعلى سحَريْنِ تَدْأَلُ*
قال : وتقول : سحَرِيَ هذه الليلة. وأنشد :
في لَيْلةٍ لا نَحْسَ في |
سحَرِيِّها وعِشائها |
وبعضٌ يقول : سحريَّة هذه اللَّيْلة. سَلَمَةُ عن الفرَّاء ، في قول الله عزوجل : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) [القَمَر : ٣٤] ، أجرى سَحراً هاهنا لأنه نكرة ، كقولك : نجيناهم بلَيْلٍ ، قال : فإذا ألقت العرب منه الباء لم يُجْرُوه فقالوا : فعلتُ هذا سَحرَ يا فتَى ، وكأنهم في تركهم إجراءَه أن كلامهم كان فيه بالألف واللام فجرى على ذلك ، فلما حُذفَت منه الألف واللام وفيه نِيَّتُهما لم يُصرَف ، كلام العرب أن يقولوا : ما زال عندنا منذ السَّحَر لا يكادون يقولون غيره. وقال الزجاج وهو قول سيبويه : سَحَرٌ إذا كان نكرة يَرادُ به سَحَرٌ من الأسْحارِ انصرف ، تقول : أَتيتُ زيداً سَحراً من الأسحار. فإذا أردت سَحَر يومِك قلت : أَتَيتُهُ سَحَرَ يا هذا ، وأَتَيْتُه بِسحَرَ يا هذا ، قلت : والقياسُ ما قال سيبويه.
والسَّحُورُ : ما يُتَسحَّرُ به وقت السَّحَر من