لم أعملت هذه الأحرف النصب والرفع؟
لقد أجهد النحاة أنفسهم لتعليل عمل هذه الأحرف النصب فى المبتدإ والرفع فى الخبر ، وليس لهم إلا علة واحدة ، وهى أن هذه الأحرف أشبهت الفعل التامّ المتعدى المتصرف ، ولما كان هذا الفعل يرفع فاعلا وينصب مفعولا به ؛ نصبت هذه الأحرف ورفعت ، لكنهم قدموا منصوبها ـ وهو المبتدأ ـ على المرفوع بها ـ وهو الخبر ـ للتفرقة بين ما يعمل بالأصل وهو الفعل ، وما يعمل بحقّ الشبه ، وهو هذه الأحرف ، فهى فرع ، والأفعال أصل.
وقد أشبهت الفعل من عدة أوجه :
أحدها : أن معانيها معانى الأفعال ، فمعنى (إن وأن) : أؤكد أو أحقق ، ومعنى (كأن) : أشبه ، ومعنى (لكن) : أستدرك ، ومعنى (لعل) أرجو ، ومعنى (ليت) أتمنى ، فمعانيها من التوكيد والتشبيه والاستدراك والترجى والتمنى ، كما أن (ضرب) من الضرب ، و (تفهم) من التفهم ، و (استخرج) من الاستخراج.
والثانى : أنها مبنية على الفتح ، كما أن الفعل الماضى مبنىّ على الفتح.
والثالث : أنها تلزم الأسماء ، كما أن الفعل يلزمها ، وهى تطلب اسمين ، كما أن الفعل كذلك.
والرابع : أن ضمائر النصب تتصل بها اتصالها بالأفعال ، نحو : إنى ، وأنك ، ولكنه ، كما تقول : أفهمنى ، وأعلمتك ، وزرته ، وأكدته ، واستدركته.
والخامس : أن نون الوقاية تتصل بها اتصالها بالأفعال ، فتقول : ليتنى ، ولعلنى ، كما تقول : تمنانى ، ورجانى ، وأسمعنى.
لهذا نصبت هذه الأحرف ورفعت كالفعل.
الأحرف الناسخة (١)
ذكرنا أن النحاة سمّوها بالناسخة نظرا لأثرها الإعرابى. وأن لكلّ حرف معنى يؤديه فى العلاقة بين الخبر والمبتدإ الذى يصبح اسمها ، ونذكر ذلك بالتفصيل مع كلّ حرف نذكره فى هذا القسم.
__________________
(١) ينظر : شرح عيون الإعراب ١١١ / أسرار العربية ١٤٨.