لكننى ألحظ أن هذه الأحرف تشترك فى دلالة واحدة ، وهى معنى التوكيد الذى يلحق بالعلاقة الدلالية بين الخبر والمبتدإ ، ويقتصر حرفان على هذه الدلالة ، أما بقية الأحرف فإنها تؤدى معنى أساسا يضفى إليه صفة التأكيد ، ومعظم النحاة يقصرون كلّ حرف من هذه الأحرف على دلالة واحدة ، فـ (إن وأن) للتوكيد ، و (كأن) للتشبيه ، و (لكن) للاستدراك ، و (لعل) للترجى ، و (ليت) للتمنى ، لكننى لحظت أن هذه الأحرف تتضامن فى معنى التوكيد ، ولهذا فإن كثيرا من النحاة ـ مثلا ـ يجعلون (كأنّ ولكنّ) متضمنين فى بنيتهما الصرفية الحرف (أن) ، وهذا يعطينا دليلا على تضمينهما معنى التوكيد ، إلى جانب مدلول آخر ، وهو التشبيه والاستدراك.
والاتفاق المطلق بين النحاة على ستة أحرف ناسخة ، تفصيلها كما يأتى :
(إنّ)
: بكسر الهمزة وتشديد النون ، حرف ناسخ يفيد توكيد معنى الجملة الاسمية ، ونفى الشكّ عن العلاقات المعنوية بين ركنيها ، أى : تأكيد علاقة معنى الخبر بمعنى المبتدإ ، من ذلك أن تقول : إن الشباب المستقيم محترم. فتؤكد به معنى احترام الشابّ المستقيم.
فإذا قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) [يونس : ٤٤] ، فإنه ـ تعالى ـ يؤكد عدم ظلمه للناس شيئا.
تلحظ أن المبتدأ فى الجملتين (الشاب ، الله) منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، ويسمى ـ حينئذ ـ اسمها.
والخبر فى الجملة الأولى (محترم) فهو مرفوع ، أما الخبر فى الجملة الثانية فهو الجملة الفعلية (لا يظلم) ، وهى فى محل رفع.
وأنوّه إلى أن (إنّ) المكسورة الهمزة تكون فى موضع الابتداء دائما. فهى تتميز بأنها مع معموليها تكون جملة يمكن أن تستقلّ بمعناها ، أى : يبتدأ بها ، وتكون فى أول الكلام.