ويمكن إدراك ذلك إذا استحضرنا فكرة أن معنى الخبر يمكن أن يتغير إلى معان عديدة بالنسبة لمبتدإ واحد تبعا لفهم كلّ من المتحدث والمخاطب ؛ لكنه العلاقة بين المبتدإ ومعنى من المعانى يفهمه كلّ منهما ، حيث يمكن القول ردّا على الجملة (محمد مجتهد) : لا ؛ بل هو مهمل ، أو نشيط ، أو غافل ، أو غير ذلك من المعانى والأحكام التى تصدق عليه فى نظره ؛ أما المبتدأ فإنه يلزم الثبات فى الجملة الاسمية ؛ لأنه المقصود بمساحة الحكم ـ إن صحّ التعبير ـ أو الإخبار عنه ، أو المحكوم عليه ، وهو ما جعله سيبويه المسند إليه ، لكنه لا بدّ أن يفهم أن المبتدأ إنما هو أساس للجملة الاسمية ، يبنى عليه الخبر أو الإخبار أو الاستخبار ، فهو العلاقة المعلومة فى الحديث بين طرفين : المتحدث والمستمع ، والتى يبنى عليها المقصود من إنشاء الجملة الاسمية. وهو الخبر ، ولذلك فإنك تلحظ أن الخبر يتضمن المبتدأ لفظيا ومعنويا.
وعلينا أن نقرر أن الخبر يجب أن يفيد معنى مجهولا مفيدا لدى المتلقى ، وإلا فلا يصحّ إنشاء الجملة الاسمية ، فقولنا : الثلج بارد ، والنار حارّة ، والسماء فوقنا ، والأرض تحتنا ، وثلث الثلاثة بعضها ، لا يصحّ لأنه لا يحصل به فائدة (١).
صور الخبر
نذكّر بأن الخبر هو الذى يتمم معنى المبتدإ ، أى : إن مجموع معنى المبتدإ ومعنى الخبر يعطى المعنى المقصود من الجملة الاسمية.
وإنما أنشئت الجملة الاسمية من أجل توصيل معنى الخبر إلى المستمع أو القارئ ، ويجب أن يكون هناك توافق وتلاؤم فى المعنى بين المبتدإ والخبر ، فليس كلّ ما يصلح أن يكون خبرا يصلح للإخبار به عن أىّ مبتدإ ، وإنما يلزم التواؤم المعنوىّ والتوافق اللفظىّ بينهما ؛ حتى يصحّ مبنى الجملة الاسمية ، ويتضح المقصود من إنشائها بين طرفى الحديث ، وندرس صور الخبر من جانبين : المعنوى ، والبنيوى ، ذلك على التفصيل الآتى :
__________________
(١) ينظر فى ذلك : شرح القمولى على الكافية. تحقيق فتحية عطار ٤١٩.