الحقيقة. كأن تقول : ما جاء المسلمون إلا الكافرين ، وما جاء المضروبون إلا الضاربين ، وما حضر الراسبون إلا الناجحين ....
وحقيقة ذلك أن ما بعد (إلّا) لا يجوز أن يندرج تحت ما قبلها ، لا ذاتا ولا حكما ، ولا مجازا ولا حقيقة. ويمثلون له بالقول : ما نفع خالد إلا ما ضرّ ، إذ لا يقال : نفع الضر ، فالضرّ لا يدخل تحت النفع لا حقيقة ولا مجازا ، و (ما) فيه مصدرية.
ومثله : ما زاد إلا ما نقص ، والتقدير : ما زاد إلا النقص ، فالنقص لا يدخل تحت الزيادة. وهناك آراء أخرى للنحاة فى (ما) :حيث يزعم أبو سعيد السيرافى أن المصدر المنسبك من (ما) والفعل فى موضع رفع على الابتداء ، وخبره محذوف. وزعم أبو على أن المصدر مفعول به حقيقة ، لكن ابن الطراوة يرى أن (ما) زائدة.
والبصريون يقدرون الاستثناء المنقطع بـ (لكنّ) (١) ، فإذا كان كذلك فهى تقدر ثقيلة أو خفيفة ، وعلى التثقيل يكون ما بعدها اسمها وخبرها ، وعلى التخفيف يكون ما بعدها مبتدأ وخبرا ، فإن قال قائل : ما فى الدار أحد إلا حمارا ، فإن التقدير على لغة من يثقل : ولكنّ فيها حمارا ، وعلى لغة من يخفف : ولكن فيها حمار ، ولذلك فإنه لا يمكن القول : استثنيت الحمار منهم.
أما الكوفيّون فإنهم يرون أن الاستثناء المنقطع يكون على سبيل تقدير (سوى) ، ويكون التقدير : .... سوى حمار.
يذكر ابن الحاجب : «وتأويل البصريين أولى ؛ لأن المستثنى المنقطع يلزم مخالفته لما قبله نفيا وإثباتا كما فى (لكن) ، وفى (سوى) لا يلزم ذلك ؛ لأنك تقول : لى عليك ديناران سوى الدينار الفلانى ، وذلك إذا كان صفة ، وأيضا معنى (لكن) الاستدراك ، والمراد بالاستدراك فيها رفع توهم المخاطب دخول ما بعدها فى حكم ما قبلها ؛ مع أنه ليس بداخل فيه ، وهذا هو معنى الاستثناء المنقطع بعينه» (٢).
__________________
(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ٣١٩ / الأصول ١ ـ ٢٩٠.
(٢) الاستراباذى على الكافية ١ ـ ٢٢٧.