لكننا إذا أمعنا التركيب الذى يرد فيه الحال نجد أن الحال إنما تنصب لإسقاط حرف الجر السابق عليها فى كل صورها اللفظية.
وأستدلّ على ذلك بما فهمه النحاة من أن الحال مفعول فيها الأمر ، فعندما أقول : جئت راكبا ؛ فإن الأصل : جئت فى حال ركوب ، وأن الحال حدث ، ولا بد من التعبير بالحدث ومحدثه ؛ ولذا فإن التقدير الأكثر صحة أن يكون : جئت فى حال راكب ، حذف حرف الجر ، فنصب ما بعده على نزع الخافض ، ولأن لفظ الحال تدل بمدلولها على ما يؤديه سياق كلمة (راكب) ، وعلاقتها بما قبلها ، فكأننى أكرر اللفظ مرتين فى الجملة ، مرة بلفظه ، وأخرى من المقام والسياق ، فآثرت العربية حذف اللفظ ، فانتقلت العلامة الإعرابية الدالة على حذف الخافض إلى ما يليه ، فأصبح الحال فى حال نصب دائم (١). وهذه الفكرة مفصلة فى كتاب : نزع الخافض ـ دراسة فى عوامل النصب فى التراث النحوى.
ثانيا : العوامل التى يجوز لها أن تنصب الحال :
جمهور النحاة يذهبون إلى أن العامل فى الحال هو العامل فى صاحبها.
والعوامل التى تعمل النصب فى الحال ما يأتى :
ـ الفعل المتصرف : نحو : انطلق محمود مسرعا.
(مسرعا) حال منصوبة من الفاعل (محمود) ، والعامل الفعل المتصرف (انطلق).
ـ الصفة المشتقة المتصرفة : (اسم الفاعل وصيغ المبالغة ، واسم المفعول والصفة المشبهة) ، نحو : إنها محمودة الخلق ساميا ـ على كاتب الدرس دقيقا ـ هو شرّاب الدواء مرا ـ إنه حذر الخطر وهو يؤدى اللّعبة ـ هو طاهر الثوب مصليا.
(ساميا) حال من (الخلق) والعامل فيها اسم المفعول (محمودة) ، و (دقيقا) حال من (الدرس) ، والعامل فيها اسم الفاعل (كاتب) ، و (مرا) حال من (الدواء) ، والعامل
__________________
(١) ينظر : المقتضب ٤ ـ ١٦٦ ، ٤٠٠.