تحليل بعض التراكيب فى الاستثناء
نلفت ـ فى هذا الجزء ـ النظر إلى تحليل بعض التراكيب الخاصة فى الاستثناء ، لأن فى تحليلها إعمالا للفكر ، والتدريب على كيفية الربط بين التوجيه المعنوى والتوجيه النحوى ، والجانبان أساس كل تركيب لغوى.
فى قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣]. يجوز توجيه الاستثناء فى هذه الآية إلى أربعة أوجه (١) : وجهان يكون فيهما الاستثناء متصلا ، ووجهان يكون الاستثناء فيهما منفصلا منقطعا.
فأما وجها الاستثناء المتصل فهما :
الأول : أن يكون (من رحم) بمعنى : الراحم ، وسائر التركيب على حقيقته ، فيكون الكلام : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا الراحم ، و (من رحم) مستثنى مبنى فى محل نصب ، أو يعرب على البدلية من اسم (لا) النافية للجنس ؛ لأن الراحم من جنس العاصم ، فالعاصم ينطلق على ابن آدم ؛ لأنه يجوز أن يعصم من يرحمه.
الثانى : أن يكون (عاصم) بمعنى المعصوم ، و (من رحم) بمعنى المرحوم ، ويكون الكلام : لا معصوم اليوم إلا المرحوم ، والمرحوم من جنس المعصوم ، وداخل تحته فى معناه.
ومنهم من يجعل عاصما بمعنى معصوم على معنى النسب ، أى : ذا عصمة ، فيكون (لا عاصم) (لا ذا عصمة).
لكنهم يختلفون فيما بينهم فى جواز حمل فاعل بمعنى مفعول على النسب ، فيوجد من يجيز ذلك ، ويوجد من لا يجيزه. أما الذين لا يجيزون أن يكون فاعلا بمعنى مفعول على معنى النسب فإنهم يشترطون أن يكون فاعلا على بابه فى اسم
__________________
(١) ينظر : الكتاب ٢ ـ ٣٢٥ / المقتضب ٤ ـ ٤١٢ / الخصائص ١ ـ ١٥٢ / المنتخب الأكمل / ١٣٢ / الدر المصون ٦ ـ ٣٣٢.