المُحرم صوتَه بالتلبية. قال أبو عبيد : قال الأصمعيّ وغيره : الإهلالُ : التلبية ، وأصل الإهلال رفْعُ الصوت ، وكل شيء رافعٍ صوتَه فهو مُهِلٌ. قال أبو عبيد : وكذلك قول اللهِ جلّ وعزّ في الذبيحة (وَما أُهِلَ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) [المَائدة : ٣] هو ما ذبح للآلهة ، وذلك لأن الذَّابِحَ كان يُسَمِّيها عند الذبح ، فذلك هو الإهْلَالُ ؛ وقال النابغة : يذكر دُرّةً أخرجها غَوَّاصُها من البحر :
أو دُرَّةٍ صَدَفيةٍ غَوَّاصُها |
بَهِجٌ مَتَى يَرَهَا يُهِلَ ويَسْجُدِ |
يعني بإهلاله رفعَه صوتَه بالدعاءِ والحمد لِلَّهِ إذَا رآها. وقال أبو عبيد : وكذلك الحديثُ في استهلال الصبيّ إذا وُلد لم يَرِثْ ولم يُورَثْ حتى يستهلَ صارخاً ، وذلك أنه يُسْتَدَلُّ على أنه وُلِدَ حيّاً بصوته ؛ وقال ابن أحمر :
يُهِلُ بالفَرْقَدِ رُكْبَانُها |
كما يُهِلُ الرّاكِبُ المُعْتَمِرْ |
وقال الليث : قال أبو الخطاب : كل متكلّمٍ رافع الصوتَ أو خافضِه فهو مُهلً ومُسْتَهِلّ ؛ وأنشد :
وأَلْفَيْتُ الخُصُومَ وَهُمْ لَدَيْهِ |
مُبَرْشِمَةً أَهلُّوا يَنْظُرونا |
قلت : والدليل على صحة ما قاله أبو عبيد ، وحكاه عن أصحابه ، قول السَّاجِع عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حين قضى في الجنين الذي أسقطته أمّه ميتاً بغُرَّة ، فقال : أرأيت من لا شَرِبَ ولا أَكَل ، ولا صَاحَ فاستَهَلّ ، مثل دمه يُطَل ، فجعله مُسْتَهِلًّا بصياحه عند الولادة. وقال الليث : يقال للبعير إدا استَقْوَس وحَنَى ظهره والتزق بطنُه هُزَالاً ، وإحناقاً : قد هُلِّلَ البعير تهليلاً ؛ وقال ذو الرُّمَّة :
إذا ارفَضَّ أطرافُ السِّيَاطِ وهُلِّلَتْ |
جُرُومُ المَطَايا عذَّبَتْهُنّ صَيْدَحُ |
ومعنى هُلِّلت ؛ أي : انحنت حتى كأنّها الأَهِلّة دِقة وضُمْراً. وقال الليث : الهَلَلُ : الفَزَعُ. يقال : حَمَل في هَلَل ، إِنْ ضرب قِرْنه. ويقال : أحجم عنّا هَلَلاً ؛ قاله أبو زيد. وقال : مات فلان هَلَلاً ووَهَلاً ؛ أي : فَرَقاً. وقال أبو عبيد : التهليل : النُّكُوص ؛ وقال كعب بن زهير :
وما بِهِمْ عَنْ حِياضِ الموتِ تَهْلِيلُ
وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال : ليس شيء أجرأَ من النمرِ. ويقال : إن الأسد يُهلِّل ويكلّل ، وإن النَمر يُكَلِّلُ ولا يُهَلِّلُ. قال : والمهلّل : الذي يحمل على قِرْنه ثم يجبن فينثني ويرجع ، يقال : حَمَلَ ثم هلّل ، والمكلِّل : الذي يحمل فلا يرجع حتى يقع بِقرنه ؛ وقال الراعي :
قَوْمٌ على الإسلامِ لمّا يَمْنعَوا |
ما عُونَهُمْ ويُهلّلوا تَهْلِيلاً |
أي : لما يُهَلَلّوا ؛ أي : لمّا يرجعوا عمَّا هم عليه من الإسلام ، من قولهم : هَلّلَ عن قِرْنه وكَلَّس. قلت : أراد لما يُضَيِّعوا شهادة أن لا إله إلا اللهُ ، وهو رفع الصوت بالشهادة. هذا على قول من رواه
«... ويضيعوا التهليلا»
. وقال اللَّيْثُ : التهليل : قول لا إله إلّا اللهُ ، قلت : ولا