لا أفْعَلُ يريد : ومحْلوفِه فمدّها. وقال الفرَّاءُ حكايةً عن العرب : إنّ بني نُمَيْرٍ ليس لهم مَكْذُوبَةٌ ؛ وقال اللَّيْثُ : رجل حلَّافٌ وحلَّافَةٌ كثيرُ الحلفِ. ويقول استَحلَفْتُه بالله ما فعل ذَاكَ.
قال وتقول : حَالَفَ فلانٌ فُلَاناً فهو حَلِيفُه.
وبينهما حلفٌ لأنَّهُما تحالَفَا بالأَيْمان أن يكون أمْرُهما واحداً بالوفاء فَلَمّا لَزِم ذلك عندهُم في الأَحْلَافِ التي في العشائر والقبائِلِ صار كلُّ شَيْءٍ لَزِمَ شَيْئاً فلم يُفَارِقْه فهو حَلِيفُه حتى يُقَال : فلانٌ حليفُ الجُودِ ، وفلان حليفُ الإكثار وحليفُ الإقْلَالِ : وأنشد قول الأعشى :
وشرِيكيْنِ في كثيرٍ من الما |
لِ وكانا مُحَالِفَيْ إِقْلَالِ |
وقال شَمِر : سمعتُ ابن الأعرابيِّ يقول : الأَحْلَافُ في قريش خَمْسُ قبائل ، عبدُ الدّار وجُمَحُ وسَهْمٌ ومَخْزُومٌ وعَدِيُّ بن كعبٍ. سُمُّوا بذلك
لمَّا أَرَادَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَخْذَ مَا في أَيْدِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ من الحِجَابَةِ والرِّفَادَةِ واللِّوَاءِ والسِّقَايَةِ وأَبت بَنُو عَبْدِ الدّارِ ، عَقَدَ كلُّ قَوْم على أمرهم حِلْفاً مُؤكَّداً على ألَّا يَتَخاذَلُوا ، فَأَخْرَجَتْ عَبْدُ مَنَافٍ جَفْنَةً مملوءَةً طيباً فوضَعُوهَا لأَحْلَافِهِمْ في المسجد عندَ الكعبةِ ، ثم غَمَسَ القوْمُ أيديَهم فِيها وتعاقَدُوا ثم مَسَحُوا الكعبة بأيديهم توكيداً. فسموا المطيَّبين ، وتعاقدت بَنُو عبدِ الدّارِ وحلفاؤها حِلْفاً آخَرَ مؤكَّداً على ألَّا يتخاذلوا ، فَسُمُّوا الأَحْلَافَ. وقال الكميت يذكرهم :
نسباً في المطيَّبين وفي الأح |
لاف حَلَّ الذُّؤَابَةَ الْجُمْهُورَا |
وروى ابن عُيَيْنَة عن ابن جُرَيْج عن ابن أبي مُلَيْكة قال كنت عند ابْنِ عبّاس فَأَتَاهُ ابن صفوانَ فقال : نِعْمَ الإمارَةُ إمَارَةُ الأَحْلافِ كانت لَكُمُ.
قال : الذي كان قبْلَها خيرٌ منها ، كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المطيِّبِين ، وكان أبو بكرٍ من المطيِّبين وكان عمر من الأَحْلَاف يعني إمارةَ عمر. وسمع ابن عباس نَادِبَةَ عُمَرَ وهي تقول : يا سيّد الأحْلَافِ فقال ابن عباس : نعم ، والمُحْتَلَفِ عليهم. قلت وأنها ذَكَرت ما اقْتَصَّه ابنُ الأعرابي لأن القُتَيْبيَّ ذكر الطيِّبين والأحْلافَ فَخَلَطَ فيما فسّر ولم يُؤَدِّ القِصَّةَ عَلَى وَجْهِها ، وأرجو أن يكونَ ما روَاهُ شَمِرٌ عن ابن الأعرابيِّ صَحِيحاً.
وفي الحديث أنَّ النبي صلىاللهعليهوسلم حَالَفَ بَيْن قُرَيْشِ والأنصارِ أي آخَى بَيْنَهُم ، لأنه لا حِلْفَ في الإسلام.
وقال الليثُ : أَحْلَفَ الغلامُ إذا جَاوزَ رِهَاقَ الحُلُم. وقال بعضُهم قد أُحْلِفَ. قلت أنا : أُحْلِفَ الغُلَامُ بهذا المعنى خَطَأٌ إنما يقال أَحْلَفَ الغلام إذا رَاهَقَ الحُلُم فاختلف النَّاظِرُون إِلَيْه ، فقائل يقول قد احْتَلَم وأدْرَكَ ، ويَحْلِفُ على ذَلِكَ ، وقائلٌ يقولُ : غَيْرُ مُدْرِك ، ويَحْلِفُ على قولِه. وكلُّ شيء يختلف فيه النَّاس ولا يَقِفُون منه على أَمْرٍ صحيح فهو مُحْلِف ، والعرب تقول للشيء المختلف فيه مُحْلِفٌ ومُحْنِثٌ.