مذ ومنذ
(مذ ومنذ) يرتبطان بالزمان الماضى أو الحاضر ، أو المدة الزمنية لحدث ما ، وهما لابتداء الغاية فى الزمان ، يجعلهما النحاة مترددين بين الاسمية والحرفية ، ويذهب جمهور النحاة إلى أنهما فى حال صحة جرّ ما بعدهما يكونان حرفين من حروف الجرّ ، وإن صحّ رفع ما بعدهما فهما اسمان خبرهما مابعدهما ، وكل ذلك مرتبط بدلالة التركيب ، و (مذ) فى الأزمنة بمنزلة (من) فى الأمكنة ، على النحو الآتى :
ـ إن أردت الإخبار عن ابتداء وقوع الفعل واتصاله إلى وقت الحديث فإنه يمكن أن تخفض ، ويكونان حرفى جرّ ، فتقول : سافرت من البلد مذ سنة كذا ، وما رأيت صديقى أحمد منذ سنة كذا ، بخفض ما بعد (مذ ومنذ) على الجرّ بهما. ويعنى ذلك أن بداية سفرى أو عدم رؤيتى كان هذه السنة ، وامتدّ إلى الآن.
ـ وإن أردت بهما الحاضر أو الحال ، أى : الزمان الذى أنت فيه فإنهما يخفضان ، فتقول : ما رأيته مذ شهرنا ، ومنذ يومنا ، ومنذ الليلة ، والآن ، واليوم ، وكلّها أزمنة أنت فيها الآن ، وكلّها مجرورة بحرف الجر الذى يسبقها ، والجرّ يفيد أن عدم الرؤية لم تنته ولم تحدّد ، فهى متصلة منذ أن كانت ومستمرة ، لذا وجب الجرّ.
ـ فإن كان ما بعدهما زمانا يعبّر به عن الماضى فإن فيه معنيين :
أولهما : أن يكون الماضى معدودا ، فيكونا لتنظيم أول الوقت إلى آخره ، أى تكون بمعنى الأمد (١) ، نحو قولك : ما رأيته مذ يومان ، أى : مدة انقطاع الرؤية يومان. فهى جواب عن : كم مدة انقطاع الرؤية؟
ويقدرهما النحاة فى مثل هذا التركيب بـ (من) و (إلى) معا ، ليدلا على ابتداء الغاية في الزمان ، وانتهائها
والآخر : أن يكون الماضى غير معدود ، فيكونا لابتداء الغاية ، نحو قولك : ما رأيته مذ يوم الخميس ، أى : أول انقطاع الرؤية يوم الخميس.
__________________
(١) ينظر : شرح المفصل لابن يعيش ٤ ـ ٩٤.