ونريد بالنصاعة إخراج الصوت واضحاً لا يلتبس به غيره من أصوات العربية ، وإعطاء الحرف حقه من النطق المحقق غير مشتبه بسواه ، وهذا جوهر الأداء ، وقد سماه القدامى بعلم التجويد ، ولعل تسمية علم الآداء القرآني بـ « التجويد » ناظرة إلى قول الإمام علي عليهالسلام المتقدم : « الترتيل معرفة الوقوف ، وتجويد الحروف » (١) فأخذ عنه هذا المصطلح بإعطاء الحروف حقوقها وترتيبها ، ورد الحرف إلى مخرجه وأصله ، وتلطيف النطق به على كمال هيئته ، من غير إسراف ولا تعسف ، ولا إفراط ولا تكلف » (٢).
وهذه القاعدة تبنى على مخارج الحروف صوتياً ، وقد تقدم أنها سبعة عشر مخرجاً عند الخليل ، وستة عشر مخرجاً عند تابعيه ، بإسقاط مخرج الحروف الجوفية.
ومخرج الحرف للتصويت به دون لبس ، أفاده ابن الجزري ( ت : ٨٣٣ هـ ) في تعريفه له من الخليل عملياً ، يقول : « واختيار مخرج الحرف محققاً أن تلفظ بهمزة الوصل وتأتي بالحرف بعده ساكناً أو مشدداً ، وهو أبين ، ملاحظاً فيه صفات ذلك الحرف » (٣).
فتقول في الباء والتاء والثاء « ابّ ، اتّ ، اثّ » وهكذا بقية الحروف ، فتتحكم الذائقة الصوتية في نطق الحروف على أساس منها كبير ، والدليل على ذلك تقسيم الحروف على أساس مخارجها عند علماء الأداء القرآني تبعاً لعلماء اللغة ، فكل حيّز ينطلق منه الصوت يشكل مخرجاً في أجهزة النطق ، وذلك عند اندفاع الأصوات إلى الخارج من مخارج الحلق ومدارجه.
وقد أورد السيوطي ( ٩١١ هـ ) ، ملخصاً في مخارج الأصوات استند فيه إلى ابن الجزري ( ت : ٨٣٣ هـ ) وكان ابن الجزري ذكياً في جدولته للأصوات من مخارجها ، إذ ـ فاد من كل ما سبقه ، ونظمه جامعاً تلك
____________
(١) ابن الجزري ، النشر في القراءات العشر.
(٢) السيوطي ، الاتقان في علوم القرآني : ١|٢٨١.
(٣) ابن الجزري ، النشر في القراءات العشر : ١|١٩٨.