ونقف عند قول ابن جني وقفة قصيرة لتحديد الصوت الأقوى. فتقريب الحرف من الحرف يحصل من غير إدغام فلا حديث لنا معه ، وإنما يعنينا الحديث عن الادغام وهو ما يتحقق بالأكبر دون الأصغر ، ويحدث بتقريب الساكن من المتحرك. لهذا فسيكون حديثنا متأطراً بالادغام الأكبر دون سواه فيما بعد.
والتقريب الذي تحدث عنه ابن جني هو عين المماثلة عند الأصواتيين المحدثين ، لأن المماثلة عبارة عن عملية استبدال صوت بآخر تحت تأثير صوت ثالت قريب منه في الكلمة أو في الجملة كما يعرفها جونز(١).
والمماثلة نوعان : رجعية وتقدمية ، وذلك بحسب كونها من الأمام إلى الخلف ، أو من الخلف إلى الأمام.
والنوع الأول هو الأكثر شيوعاً من الآخر مع أن كلاً منهما يمكن أن يحدث في لغة واحدة (٢).
والمماثلة الرجعية تنجم من تأثر الصوت الأول بالثاني في صيغة افتعل في نحو ( إذتكر) حينما تتفانى الذال والتاء ، ويندكان تماماً ليحل محلهما الدال مشدداً ، فتكون (إدّكر) في مثل قوله تعالى : ( وادّكر بعد أمة ) (٣) فقد تلاشى الصوت الأول وهو الذال في الصوت الثاني وهو التاء ، وعادت التاء دالاً لقرب المخرج مع تشديدها لتدل على الاثنين معاً ، وهذا هو تطبيق المماثلة في الادغام.
« وتتخذ المماثلة صورة تقدمية فيما ينطقه بعض الناس للفظة ( إجتمع ) بـ ( إجدمع ) فالتاء قد جاورت الجيم مجاورة مباشرة ، فقد صوت التاء صفته كمهموس ، ليصبح مجهوراً في صورة نظيره الدال » (٤).
__________________
(١) ظ : خليل العطية ، في البحث الصوتي عند العرب : ٧١ وانظر مصدره.
(٢) ظ : إبراهيم أنيس ، الأصوات اللغوية : ١٢٦.
(٣) يوسف : ٤٥.
(٤) إبراهيم أنيس ، الأصوات اللغوية : ١٢٨.