مباركاً وأنت خير المنزلين * إن في ذلك لأيات وإن كنا لمبتلين * ثم أنشأنا من بعدهم قرنًا ءاخرين ) (١).
والطريف ان سورة المؤمنين تتعاقب وواصلها الياء والنون أو الواو والنون ، شأنها في ذلك شأن جملة من سور القرآن ، فكأنها جميعا تعنى بهذا الملحظ الدقيق.
٣ ـ وردت الواو مقترنة بالنون في أجزاء عديدة ومتنوعة من فواصل طائفة كبيرة من السور، فسورة الشعراء فيها تعاقب كبير على الياء والنون مضافاً إليه التعاقب على الواو والنون موضع الشاهد كما في قوله تعالى :
( إن هؤلآء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون * وإنا لجميع حاذرون* فأخرجناهم من جنات وعيون ) (٢).
إن ما أبداه الزركشي من ختم كلمة مقطع الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون ، ليس بالضرورة للتمكن من التطريب ، ولكنه يشكل ظاهرة بارزة في صيغ تعامل القرآن الكريم مع هذه الحروف مقترنة بالنون ، وقد يخفى علينا السبب ، ويغيب عنا جوهر المراد ، ومع ذلك فهو ملحظ متحقق الورود.
هناك سمات إيقاعية في سياق فواصل الآيات ، ومن خلال عبارات الجمل والفقرات التي ارتبطت بنسق جمهرة من آيات القرآن المجيد ، نجم عنهما كثير من الاشكال في التفسير لوجودها مجارية لزنة جملة من بحور الشعر ، وبدأ محرّرو علوم القرآن ، يتصدرون للدفاع عن ذلك حيناً ، ولتفسيره كلامياً واحتجاجياً بلغة الجدل حيناً آخر ، ولو أنهم عمدوا إلى ربط مثل هذه الظواهر بالإيقاع الصوتي لكان ذلك رداً مفحماً ، ولو فسروها صوتياً لارتفع الإشكال وتلاشى.
القرآن كلام الله فحسب ، ليس من جنس النثر في صنوفه وإن اشتمل
__________________
(١) المؤمنون : ٢٨ ـ ٣١.
(٢) الشعراء : ٥٤ ـ ٥٧.