والظاء والذال والثاء لثوية ، لأن مبدأها من اللثة.
والراء واللام والنون ذلقية ، لأن مبدأها من ذلق اللسان.
والفاء والباء والميم شفوية ، لأن مبدأها من الشفة.
والياء والواو والألف والهمزة هوائية في حيز واحد ، لأنها لا يتعلق بها شيء (١).
إن هذه التسميات التشخيصية قد نهضت بكيان كل صوت وعادت به إلى نقطة انطلاقه ، واهتداء الخليل إليها بذهنه المتوهج فطنة وذكاءً ، دون مثال يحتذيه عند من سبقه من علماء العربية كنصر بن عاصم الليثي وأبي عمرو بن العلاء لدليل ناصع على موسوعية فذة ، وعبقرية لا تقاس بالأشباه ، كيف لا وبداية إفاضاته الصوتية مبكرة ومبتكرة.
ختم الخليل هذه المقدمة بما بدأه من ملحظ صوتي ليس غير : « بدأنا في مؤلفنا هذا بالعين ، وهو أقصى الحروف ونضم إليه ما بعده حتى نستوعب كلام العرب الواضح والغريب ، وبدأنا الأبنية بالمضاعف لأنه أخف على اللسان ، وأقرب مأخذاً للمتفهم » (٢). ولمّا كانت هذه المقدمة مشتملة على الإفاضة الصوتية الأولى عند العرب ، فإننا نشير إلى بعض ملامحها بإيجاز وتحديد :
١ ـ لقد أدرك الخليل بفطرته الصافية ، وحسه المتوقد ، أهمية الصوت اللغوي في الدراسات اللغوية المتخصصة ، فأشار إلى أبعادها من ينابيعها الأولى ، فوضع يده على الأصول في انطلاق الأصوات من مخارجها الدقيقة ، وأفرغ جهده الدؤوب في التماس التسميات للمسميّات فطبق بها المفصل ، وتمكن من استنباط طائفة صالحة من الأسرار الصوتية من هذا الخلال ، لذلك فقد كان صحيحاً ما توصل إليه محققا العين أن في المقدمة منه « بواكير معلومات صوتية لم يدركها العلم فيما خلا العربية من اللغات إلا بعد قرون عدة من عصر الخليل » (٣).
__________________
(١) الخليل ، كتاب العين : ١|٥٨.
(٢) المصدر نفسه : ١|٦٠.
(٣) ظ : مقدمة التحقيق لكتاب العين : ١|١٠.