لقد كان بامكان الخليل التصريح بأن هذه الألف من حروف الزيادة ، ولكنه لم يفعل ، بل أراد وهو معيب بهذه الإرادة ، أنها وسيلة لإخراج الصوت ، فكأن أي صوت لا يمكن للمعرب أن ينطقه ، ولا أن يأخذ الصوت مادته وصفته إلا بعد اعتماده على صوت الألف الأولى قبله ، ومن أجل ذلك دعاها عماداً أو سلّماً ، كما أشار إلى أن إخراج الصوت ، وهو ساكن بصفته : محتاج إلى وسيلة إخراجه ، لأن اللسان لا ينطلق بالساكن من الحروف ، وكانت هذه الوسيلة هي ألف الوصل (١).
والخليل يراعي هذا التمازج الصوتي في اللغة فيحكم أن الاسم لا يكون أقل من ثلاثة أحرف. حرف يبتدأ به ، وحرف يحشى به الكلمة ، وحرف يوقف عليه ، فهذه ثلاثة أحرف ، فإن صيرت الثنائي مثل : قد ، هل ، لو ، أسماً أدخلت عليه التشديد فقلت : هذه لوّ مكتوبة ، وهذه قد حسنة الكتبة ، زدت واواً على واو ، ودالاً على دال ، ثم أدغمت وشدّدت. فالتشديد علامة الإدغام ، والحرف الثالث (٢).
إن هذا الاهتمام السليم في ربط اللغة بالصوت ، واعتبار الصوت امتداداً للبنية التركيبة ، وأصلاً للأفكار المنطورة في اللغة ، هو الذي توصل إليه بعد قرون عدة الأستاذ اللغوي فرديناند دي سوسور في أن اللغة فكرة منظمة مقرونة بالصوت من خلال تأمل عنصرين يشتركان في تأدية اللغة لوظيفتها ، وهما : الأفكار والأصوات من خلال الربط بينهما كما صنع الخليل.
يقول دي سوسور : « إن المادة الصوتية ليست أكثر ثبوتاً ، ولا أشد تحديداً من الفكر : وهي ليست قالباً يصب فيه الفكر بالضرورة ، بل هي مادة مرنة تنقسم في كل حالة إلى أجزاء متميزة لتوفر الدوال significes التي يحتاج إليها الفكر. وبذلك يمكن أن نتصور الحقيقة اللغوية في مجملها على أنها سلسلة من التقسيمات المتجاورة التي حددت على مستويين : المستوى غير المحدد للأفكار المكدسة ، ومستوى الأصوات.
__________________
(١) ظ : مقدمة التحقيق لكتاب العين : ١|١١.
(٢) ظ : الخليل ، العين : ١|٤٩ ـ ٥٠.