نهض ابن جني ( ت : ٣٩٢ هـ ) بأعباء الصوت اللغوي بما يصح أن نطلق عليه اسم الفكر الصوتي ، إذ تجاوز مرحلة البناء والتأسيس إلى مرحلة التأصيل والنظرية ، فقد تمحض لقضية الأصوات في كتابه ( سر صناعة الإعراب ) مما جعله في عداد المبدعين ، وخطط لموضوعات الصوت مما اعتبر فيه من المؤصلين ، ونحن الآن بأزاء بيان المبادىء العامة لفكره الصوتي دون الدخول في جزئيات الموضوع.
ويجدر بنا في بداية ذلك أن ننتبه لملحظين مهمين ونحن نستعرض هذا الفكر في سر صناعة الاعراب : (١)
أ ـ إن ابن جني كان أول من استعمل مصطلحاً لغوياً للدلالة على هذا العلم ما زلنا نستعمله حتى الآن وهو « علم الأصوات ».
ب ـ إن ابن جني يعدّ الرائد في هذه المدرسة ، وكان على حق في قوله في كتابه : « وما علمت أن أحدا من أصحابنا خاض في هذا الفن هذا الخوض ، ولا أشبعه هذا الإشباع ... (٢)
وبدءاً من المقدمة يعطيك ابن جني منهجه الصوتي ، لتقرأ فيه فكره ، وتتلمس فلسفته ، وتتثبت من وجهته ، فيذكر أحوال الأصوات في حروف المعجم العربي ( من مخارجها ومدارجها ، وانقسام أصنافها ، وأحكام مجهورها ومهموسها ، وشديدها ورخوها ، وصحيها ومعتلها ، ومطبقها
__________________
(١) ظ : أحمد مختار عمر ، البحث اللغوي عند العرب : ٩٩.
(٢) ابن جني ، سر صناعة الاعراب : ١|٦٣.