إن هذا التوصل إلى حدود المقطع وتعريفاته عند الأوروبيين هو الذي ذهب إليه ابن جني ، وأضاف إليه ذائقة كل مقطع ، قال : « وسبيلك إذا أردت اعتبار صدى الحروف أن تأتي به ساكناً لا متحركاً ، لأن الحركة تقلق الحرف عن موضعه ومستقره ، وتجتذبه إلى جهة الحرف التي هي بعضه ، ثم تدخل عليه همزة الوصل مكسورة من قبله ، لأن الساكن لا يمكن الابتداء به ، فتقول : اك. اق. اج ؛ وكذلك سائر الحروف ، إلا أن بعض الحروف أشد حصراً للصوت من بعضها » (١).
وهذا ما نتعتبره ابتكاراً لم يسبق إليه ، إلا فيما عند الخليل في ذواقة للأصوات اب | ات | اع | اغ (٢).
فإنها مقاطع طويلة مقفلة تكونت من ثلاثة عناصر في كل منها هي الألف والكسرة والحرف : ب | ت | ع | غ.
والمدهش حقاً عند ابن جني أن يهتدي الى سر المقطع من خلال تصريفه لشؤون الحركات ، فهو يعتبر الحركة صوتياً تتبع الحرف ، فتجد بهما الصوت يتبع الحرف « وإنما هذا الصويت التابع لهذه الحروف ونحوها ما وقف عليها ، لأنك لا تنوي الأخذ في حرف غيرها ، فيتمكن الصويت فيظهر ؛ فأنما إذاوصلت هذه الحروف ونحوها فإنك لا تحس معها شيئاً من الصوت كما تجده معها إذا وقف عليها » (٣).
يتحدث ابن جني عن جهاز الصوت الممتنقل ، أو مجموعة الأجهزة الصوتية في الحلق والفم ، وسماعنا تلك الأصوات المختلفة ، وذلك عند ذائقته للحرف العربي ، ووجدانه الاختلاف في أجراسه ، والتباين في أصدائه فشبه الحلق بالمزمار ، ووصف مخارج الحروف ومدارجها بفتحات هذا المزمار ، وتتوجه عنايه بمجرى الهواء في الفم عند إحداث الأصوات ،
__________________
(١) ابن جني ، سر صناعة الاعراب : ١|٧.
(٢) ظ : الخليل ، العين : ١|٤٧.
(٣) ابن جني ، سر صناعة الاعراب : ١|٧.