« وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات إنما هو من الأصوات المسموعات ، كدوي الريح ، وحنين الرعد ، وخرير الماء ، وشحيج الحمار ، ونعيق الغراب ، وصهيل الفرس ، ونزيب الظبي ونحو ذلك ، ثم ولدت اللغات عن ذلك.
وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل » (١).
فهو يربط بين الأصوات الإنسانية ، وبين أصداء الطبيعة حيناً ، وأصوات الكائنات الحيوانية حيناً آخر ، مما هو من ظوهر الموجودات في الكون ، وبين تكوين اللغات التي نشأت من هذه الأصوات في بداياتها الأولى.
« وقد ذهب إلى هذا الرأي معظم المحدثين من علماء اللغة وعلى رأسهم العلامة وتني Whitney » (٢).
وهذا ما يوقفنا على رأي الأوروبيين ، وتعليلهم الصوتي في أصل نشوء اللغات ؛ وأهمها في نظرنا ما يوافق ابن جني المنقول آنفاً ، والقائل بامتداد الصوت عند الأنسان عن الصوت الطبيعي للأشياء ، او الصوت الحيواني غير العاقل ، وأن جملة اللغات الإنسانية قد انحدرت من تلك الأصوات.
وهذا لا يمانع أن يكون الله سبحانه وتعالى هو ملهم الأصوات ، ومنشىء اللغات ، ومعلم الكائنات ، فهذا هو الاعتقاد الصحيح الذي لا تشوبه شائبة ، فالكلام عن هذا شيء والبحث عن أصل اللغات في انطلاق الأصوات شيء آخر.
على أن هناك رأياً آخر يذهب إلى أن أستعمال الإنسان لجهازه الصوتي كان عن طريق التأوهات والشهقات التي صدرت عنه بصورة لا إرادية ، وذلك حينما عبر عن آلامه حيناً ، وآماله حيناً آخر (٣).
__________________
(١) ابن جني ، الخصائص : ١|٤٦ ـ ٤٧.
(٢) علي عبد الواحد وافي ، علم اللغة : ٩٥.
(٣) ظ : في تفصيل هذه النظريات ، أبراهيم أنيس ، دلالة الألفاظ : ٢٠ ـ ٣٥.