وابن جني يؤكّد هذه الحقيقة في المفردات اللغوية ، ليعطيها صفة صوتية متمازجة ، فالعرب « قد يضيفون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها بها ترتيبها ، وتقديم ما يضاهي أول الحديث ، وتأخير ما يضاهي آخره ، وتوسيط ما يضاهي أوسطه ، سوقاً للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المطلوب ، وذلك كقولهم : بحث ، فالباء لغلظها تشبه بصوتها خفقة الكف على الأرض ، والحاء لصلحها تشبه مخالب الأسد وبراثن الذئب ونحوهما إذا غارت في الأرض ، والثاء للنفث والبث للتراب « (١).
ولا غرابة بعد هذا أن نجد صيغتين من صيغ العربية تدلان على الحدث الصوتي من جانبين :
أ ـ فعال ، وتستعمل في جزء كبير منها للدلالة على الأصوات والضوضاء مثل : صراخ.
ب ـ فعللة ، فإنها تستعمل في العربية في جزء كبير منها للدلالة على حكايات الأصوات مثل : « الغرغرة » فإن صوتها من جنس تشكيل حروفها لفظياً ، وإن معناها صدى من أصداء صوتها.
هذا نفسه هو ما ينجم عن التوليد الصوتي للألفاظ عند الأوروبيين ، كما في الكلمة ( قهقه ) والأصوات فيها دليل من دلائل المعنى ، وإذا أضفنا إلى ( قهقه ) ( تمايل ) فإننا سنجد في الكلمة الأولى حدث تقليد صوت لصوت آخر ، وفي الثانية ترجمت الحركة ترجمة بيانية بوسائل صوتية.
والمصطلح الذي يغلب إطلاقه في حالة الكلمات التي من هذا النوع هو ( محاكاة الأصوات Onomatopeid ) (٢).
هذه جولة قد تكون نافعة فيما أوجده لنا ابن جني من تأصيل صوتي لكثير من الملامح والخصائص والمكتشفات.
__________________
(١) ابن جنيّ ، الخصائص : | ١٦٢ ـ ١٦٣.
(٢) ظ : ستيفن أولمان ، دور الكلمة في اللّغة : ٧٣ ـ ٧٤ بتصرف.