كذلك ولا يخفى أنّ إدخال ذلك كلّه أنّما هو بالعناية ، وإلا فالحدّ غير شامل له ، فالأحسن أن يقال في الآخر ، وما ينزّل مترلته ، أو في الآخر حقيقة أو مجازا ، وإنّما كان الإعراب في الآخر ، لأنّه صفة المعرب ، وهي لا تكون إلا بعد تمام الموصوف.
تقسيم الإعراب إلى لفظىّ وتقديرىّ : «لفظا» أى ملفوظا به ، ويعبّر عنه بالظاهر كزيد يقوم ، وأنّ زيدا لن يقوم ، ومررت بزيد ولم يقم. «أو تقديرا» أي مقدّرا وجوده لمانع ، كالفتى يخشى ، وأنّ الفتى لن يخشى ، ومررت بالفتى ولم يقم الفتى ، وهما حالان من الأثر ، وتقسيمه إليهما هو المعروف.
وقسّمه بعضهم إلى ظاهر ومقدّر ومنويّ ، وخصّ المقدّر بما ألفه منقلبة عن ياء مقدّرة ، نحو ملهى ، والمنويّ بما ألفه غير منقلبة عن شيء ، نحو : حبلى وأرطى (١) ، وبغير الألف كغلامي. قاله في الهمع ، ثمّ القول بأنّ الإعراب لفظيّ هو اختيار ابن خروف (٢) والشلوبين (٣) والأستاذ أبي على وابن الحاجب ، وذهب إليه ابن مالك ، وقال : إنّه مذهب المحقّقين.
وعلى القول بأنّه معنوىّ هو تغيير آخر الكلمة ، أو ما نزّل مترلته لاختلاف العوامل الدّاخلة عليها لفظا أو تقديرا ، قيل : ويدلّ عليه أنّه يقال : حركات الإعراب ، فلو كانت الحركات وما يجرى مجراها إعرابا ، لم يضف إلى الإعراب ، لأنّ الشئ لا يضاف إلى نفسه.
قال ابن مالك : وهذا قول صادر عمّن لا تأمّل له ، لأنّ إضافة أحد الاسمين إلى الآخر مع توافقهما معنى أو تقاربها واقعة في كلامهم بإجماع ، وأكثر ذلك فيما يقدّر أوّلهما بعضا أو نوعا ، والثاني كلّا أو جنسا ، وكلا التقديرين في حركات الإعراب صالح ، فلم يلزم من استعماله خلاف ما ذكرنا. هذا والقول به مذهب كثير من المتأخّرين ، بل جعله ابن ابان (٤) قول أكثر أهل العربية ، وتقسيمه إلى اللفظي والتقديري هو المعروف أيضا ، كما مرّ في اللفظي.
__________________
(١) الأرطي : من نبات الرمل يستعمل في الدّباغ. واحدته : أرطاة.
(٢) علي بن محمد بن على أبو الحسن ابن الخروف الأندلسي النحوي كان إماما في العربية ، صنّف : شرح سيبويه ، شرح الجمل و... مات سنة ٦٠٩ ه ق. المصدر السابق ٢ / ٣٠٢.
(٣) عمر بن محمد بن عمر الاستاذ أبو على الإشبيلى الإزدى المعروف بالشّلوبين ، كان إمام عصره في العربية بلا مدافع ، صنّف تعليقا على كتاب سيبويه ، وله كتاب في النحو سماه التوطئة. مات سنة ٦٤٥ ه ق. المصدر السابق ٢ / ٢٢٤.
(٤) أحمد بن أبّان ، عالم أندلسى كبير ، هو مصنف كتاب العالم في اللغة نحو مائة جلد ، مات سنة ٣٨٢ ه ق. الأعلام للزرلكي ، ١ / ٨١.