القوم ثلاثة ثلاثة. فإنّ الحال هو المجموع المفصّل بهذا التفضيل ، فالمستحقّ للمجموع إعراب واحد إلا أنّه أجري على الاسمين دفعا للتحكّم ، فليس هنا عطف بل صورته ، وما قيل من أنّ العطف مقدّم على الربط مسامحة.
كذا قال عصام الدين في شرح الكافية ، وقدّم الرفع كما فعله كثيرون ، إذ هو الأشرف ، لأنّه إعراب العمدة ، ولا يخلو منه كلام ، ثمّ النصب لاشتراك الاسم والفعل فيه ، ولأنّ عامله قد يكون فعلا ، والعمل له بالإصالة ، فيكون معموله أصلا بالنسبة إلى المجرور ، ثمّ الجّر لاختصاصه بالأشرف.
وسيبويه قدّم النصب ، لأنّه أوسع مجالا ، فإنّ أنواعه أكثر ، قال أبو حيّان : ولو قدّم الجرّ ، لأنّه مختصّ بالاسم الّذي الإعراب فيه أصل لاتّجه أيضا.
«فالأوّلان» من أنواع الإعراب ، وهما الرفع والنصب ، «يوجدان في» كلّ واحد من «الاسم والفعل» نحو : زيد يقوم ، وأنّ زيدا لن يقوم. أمّا وجودهما في الاسم فبالإصالة ، لأنّ الرفع علم الفاعليّة ، والنصب علم المفعوليّة ، والفاعل والمفعول لا يكونان إلا اسمين ، وأمّا وجودهما في الفعل فبطريق الحمل والتفريع على الاسم ، وذلك لقوّة عامليهما بالاستقلال.
«والثالث» من الأنواع ، وهو الخفض ، «يختصّ بالاسم» ، لأنّ عامله لا يستقلّ لافتقاره لما يتعلّق به ، فلا يمكن حمل غيره عليه لضعفه.
«والرابع» وهو الجزم يختصّ «بالفعل» ، لكونه كالعوض من الجرّ فيه ، لما فاته من المشاركة ، فجعل لكلّ واحد من صنفي المعرب ثلاثة أوجه من الإعراب.
وقيل : إنّما اختصّ به لأنّه لو دخل الاسم لأدّى وجوده إلى عدمه ، وما أدّى وجوده إلى عدمه (١) كان باطلا ، وذلك أنّ المنوّن من الأسماء إن جزم التقي فيه ساكنان :
الحرف المجزوم والتنوين ، فيحرّك الساكن الأوّل ، فيؤدّي وجود الجزم إلى عدمه ، وغير المنوّن محمول عليه.
تعليل الوضعيات والسؤال عن مبادي اللغات ممنوع : قال أبو حيّان : والصواب في ذلك ما حرّره بعض أصحابنا ، إنّ التعرّض لامتناع الجرّ من الفعل ، والجزم من الاسم ، ولحوق التاء السّاكنة للماضي ، وأشباه ذلك من تعليل الوضعيّات والسؤال عن مبادي اللّغات ، وذلك ممنوع ، لأنّه يؤدي إلى تسلسل السؤالات ، إذ ما من شيء إلا ويقال فيه ، لم كان كذلك ، وإنّما يسأل عمّا كان يجب قياسا ، فامتنع ، والّذي كان يجب
__________________
(١) وما أدّي وجوده إلى عدمه سقطت في «ح».