فإن قلت : كيف خفي على المصنّف اختلال هذا الحدّ؟ قلت : الظاهر أنّه قصد تعريفه تعريف اللفظ ، وهو قد أجيز فيه أن يكون أعمّ من المعرّف كما قرّر في محلّه.
تنبيهان : الأوّل : قال في الهمع : محلّ البناء آخر الكلمة ، ولا يكون فيما نزّل مترلته فيما أعلم ، انتهى. قال بعض المحقّقين : وفيه نظر ، كيف وقد صرّحوا بأنّ نحو : يا حار ، ويا منص ، مرخّما على لغة من لا ينتظر مبنيّ على هذه الضّمّة الّتي على العين دون اللام الّتي هي الآخر ، وكذا نحو : لا رجلين ولا مسلمين ، ويا زيدان ويا زيدون وإحدى عشرة وبعلبك وبين بين ويوم يوم وبيت بيت وقوما وقوموا وقومي وأمثالها ، فالبناء في هذه كلّها واقع فيما نزّل مترلة الآخر ، فتدبّر ، انتهى.
الحركات والسكون من صفات الأجسام : الثاني : ليس المراد بقولهم : الإعراب والبناء محلّها الآخر أن يكونا على الحرف الأخير من الكلمة ، لأنّ الحرف على ما قرّر في محلّه صفة والحركات والسكون من صفات الأجسام ، فلا تحلّ الصفات ، بل المراد أنّه لمّا كان يأتي عقيب الحرف الأخير بلا فصل بعض حروف المدّ سمّي الحرف متحرّكا ، كأنّك حرّكت الحرف إلى مخرج حرف المدّ ، وبضدّ ذلك سكون الحرف ، فالحركة إذن بعد الحرف ، لكنّها من فرط اتّصالها به يتوهّم أنّها معه بلا فصل ، فإذا اشبعت الحركة ، وهي بعض حروف المدّ صارت حرف مدّ تاما فاعلمه ، انتهى ملخّصا من اللآلى الدّرّية لشيخ شيوخنا الحرفوشي ، وفيه كلام طويل ، أضربنا عن ذكره طلبا للإيجاز.
والبناء أيضا جنس تحته أنواع ، «وأنواعه» أربعة بالاستقراء : «ضمّ وكسر وفتح وسكون» ، ويقال فيه وقف ، وهو الأصل لخفّته واستصحابا للأصل ، وهو عدم الحركة ، فلا يبنى عليها إلا بسبب كالتقاء الساكنين في نحو : أمس ، وكون الكلمة على حرف واحد كتاء قمت وكونها عرضة للابتداء بها كلام الابتداء ، وكونها لها أصلا في التمكين ، كأوّل وكشبهها بالمعرب كضرب ، قاله في التصريح.
تنبيهات : الأوّل : لم يفّرق المصنّف في التعبير في جانبي الإعراب والبناء ، فعبّر في الموضعين بالأنواع ، وابن الحاجب فرقّ بينهما ، فعبّر في جانب الإعراب بالأنواع ، وفي جانب البناء بالألقاب.
ووجّهه بعض شرّاح كلامه بأنّه أنّما لم يقل : لحركات البناء والوقف أنواع لفقد ما يكون جنسا شاملا لها بالنّظر إلى الأصل ، إذ الأصل أن يكون جنس البناء منحصرا في نوع واحد ، وهو السكون بالفعل ، فإنّهم قالوا : الأصل في البناء السكون ، فلمّا كان من