لافتقارها إلى جملة افتقارا لازما ، وكان البناء على حركة فرقا بين ما أصله البناء ، وبين ما طرأ عليه للإشعار بأنّ لها أصلا في الإعراب ، وكانت الحركة ضمّة لشبهها بالغايات ، ووجه الشبه أنّها كانت مستحقّة للإضافة إلى المفرد كسائر أخواتها ، فمنعت من ذلك كما منعت قبل وبعد الإضافة.
حيث والكلام على بنائها ومعناها : وذهب الزّجاج إلى أنّ حيث موصولة ، وليست مضافة ، فهي بمترلة الّذي ، كذا قيل ، وفيه نظر ، وقد تفتح للخفّة ، وتكسر على أصل التقاء الساكنين ، ويقال : حوث وحاث بتثليث الثاء فيها.
أيضا ففيها عشر لغات ، وقراءة بعضهم : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف / ١٨٢] ، بالكسر تحتمل لغة فقعس ، ولغة البناء على الكسر ، وهي ظرف مكان اتّفاقا قال الأخفش : وترد للزّمان ، ووافقه ابن هشام في المغني ، والغائب كونها في محل نصب بالظرفيّة ، أو خفض بمن ، وقد تخفض بغيرها كقوله [من الطويل] :
٥٩ ـ ....................... |
|
لدي حيث ألقت رحلها أمّ قشعم (١) |
وجوّز قوم وقوعها مفعولا به في قوله تعإلى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام / ١٢٤] ، قالوا : ولا تكون ظرفا ، لأنّه تعإلى لا يكون في مكان أعلم منه في مكان ، ولأنّ المعنى أنّه يعلم نفس المكان المستحقّ لوضع الرسالة فيه لا شيئا في المكان ، وعلى هذا فالناصب لها يعلم محذوفا مدلولا عليه بأعلم ، لا به ، لأنّ أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به ، إلا إن أوّلته بعالم في رأي بعضهم. وقال أبو حيّان : الظاهر إقرارها على الظرفيّة المجازيّة وتضمين أعلم معنى ما يتعدّي إلى الظرف ، فالتقدير : الله أنفذ علما حيث يجعل ، أي نافذ العلم في هذا الموضوع.
قال ابن هشام : ولم تقع اسما لأنّ ، خلافا لابن مالك ، ولا دليل في قوله [من الخفيف] :
٦٠ ـ إنّ حيث استقرّ من أنت راعي |
|
... ه حمى فيه عزّة وأمان (٢) |
لجواز تقدير حيث خبرا ، وحمي اسما ، فإن قيل : يؤدّي إلى جعل المكان حالا في المكان ، قلنا : هو نظير قولك : إنّ في مكّة دار زيد ، ونظيره في الزّمان : إنّ في يوم الجمعة ساعة الأجابة ، انتهى.
__________________
(١) صدره «فشّد فلم يفزع بيوتا كثيرة» ، وهو من معلقة زهير. اللغة : شدّ : حمل ، أم قشعم : المنية. وفاعل شد يعود إلى حصين بن ضمضم أحد مورثي حرب داحسن والغبراء.
(٢) لم يذكر قائله. اللغة : الحمى : الشئ المحميّ.