«قائما به» حال من العامل ، أي حال كونه قائما بالاسم ، أو المؤوّل به ، لا يقال : يخرج عن هذا التعريف الفاعل في نحو : قرب زيد ، ومات عمرو ، فإنّ القرب والموت لا يقومان بزيد وعمرو ، فكان عليه أن يقول : على جهة القيام به كما قال غيره ، ليدخل نحو ذلك ، ممّا أسند إليه العامل على طريق القيام لأنّا نقول : معنى القيام الاختصاص الناعت كما تقدّم بيانه ، وصحّة جعل الصوت والقرب نعتا لزيد واضحة ، ولو لا القيام لكان الدّال على القيام كاذبا. قال بعضهم : بقي أنّ إسناد القائم وأمثاله إلى فاعلها ليس قائما به بل متّحد ، إلا أن يقال : والمراد قيام المبدأ كما في الفعل ، انتهى.
وخرج بهذا القيد نائب الفاعل بناء على أنّه لا يسمّى فاعلا اصطلاحا ، نحو : ضرب عمرو ، فإنّه وإن صدق عليه أنّه اسم أسند إليه العامل فيه ، لكن ليس العامل فيه قائما به ، بل واقعا عليه ، وأورد عليه أنّ ضرب عمرو يدلّ على قيام الفعل المبنيّ للمفعول ، وهو المضروبيّة بالمسند إليه ، أعني عمرا ، وكذا مضروب أبوه ، فكيف يخرج نائب الفاعل بهذا القيد ، ثمّ أجاب هذا المعترض بأنّ هذا الكلام مبنيّ على أنّ الداخل في مفهوم المشتقّ المصدر المبنيّ للفاعل دون المبنيّ للمفعول ، انتهى.
ولبعض المحقّقين هاهنا تحقيق نفيس لا بأس بإيراده لما له من العلاقة ، قال : الفاعل إذا صدر منه الفعل المتعديّ لا بدّ هناك من حصول أثر حسيّ أو معنويّ ناشيء من الفاعل بلا واسطة واقع على المفعول بتأثير من الفاعل أو غيره قائم من حيث الصدور بالفاعل ، ومن حيث الوقوع بالمفعول ، فإذا نظرت إلى قيام ذلك الأثر بذات الفاعل ، ولاحظت كون الذات بحيث قام به الفعل كان ذلك الكون ما يعبّر عنه بالمصدر المبنيّ للفاعل ، وإذا نظرت إلى وقوعه على المفعول ولا حظت كون الذات بحيث وقع عليه الفعل كان ذلك الكون ما يعبّر عنه بالمصدر المبنيّ للمفعول ، وإذا نظرت إلى عين ذلك الأثر كان ذلك الحاصل بالمصدر ، وصيغة المصدر مشتركة بين هذه الثلاثة ، وقد يستعمل مجازا في الفاعل والمفعول.
ومعنى قولهم : إنّ المصدر المبنيّ للفاعل جزء من الفعل المعلوم ، والمبنيّ للمفعول جزء من الفعل المجهول ، اعتبار الكونين في مفهوميهما ، فمعنى ضرب زيد ، كونه بحيث قام به الضرب ، ومعنى ضرب عمرو ، كونه بحيث وقع عليه الضرب ، لا كونه بحيث قام به الكون الأوّل في المعلوم ، وكونه بحيث قام به الكون الثاني في المجهول ، كما لا يخفى على من له تأمّل صادق وانصاف بأهل العلم لائق ، فلا يتّجه أنّ المصدر المبنيّ للمفعول إذا كان جزء من المجهول كان على طريقه القيام ، لأنّه مبنيّ على زعم اعتبار قيام الكونين في مفهومي المعلوم والمجهول ، وقد تبيّن أنّ الملحوظ فيهما الأثر من حيث القيام في الأوّل ،