الأصل تقدّم الفاعل على المفعول : مسألة تتعلّق بالفاعل : «والأصل (١)» أي الراجح «في الفاعل» الّذي ينبغي أن يكون عليه إن لم يمنع مانع «تقدّمه على المفعول» بان يلي العامل ، لأنّه كالجزء منه ، ولذا يسكن له آخر الفعل إذا كان ضميرا لكراهتهم توإلى أربع حركات ، وإنّما يكرهون ذلك في كلمة واحدة ، فدلّ ذلك على أنّها كالكلمة الواحدة بخلاف المفعول ، والأصل فيه تأخره عن الفاعل لأنّه فضله.
وقد يجوز خلاف الأصل ، فيتقدّم المفعول ، ويتأخّر الفاعل ، كما في قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) [القمر / ٤١] ، وقول الشاعر [من البسيط] :
٩٠ ـ جاء الخلافة أو كانت له قدرا |
|
كما أتى ربّه موسى على قدر (٢) |
«ويجب ذلك» الأصل «إذا خيف اللبس» في الفاعل لعدم ظهور الإعراب ، وعدم قرينة تمييز الفاعل من المفعول ، سواء كانا مقصورين أم اسمي إشارة أم موصولين أم مضافين إلى الياء نحو : ضرب موسى عيسى ، أو هذا ذاك ، أو من في الدّار من على الباب ، أو غلامي أبي. فيتعيّن في مثل هذه أن يكون الأوّل فاعلا ، والثاني مفعولا ، خلافا لابن الحاجّ (٣) في نقده على المقرّب (٤) لابن عصفور محتجّا بأنّ العرب يجيز تصغير عمرو وعمر على عمير مع وجود اللبس ، وبأنّ الإجمال من مقاصد العقلاء وبأنّه يجوز أن يقال : زيد وعمرو ضرب أحدهما الآخره ، وبأنّ تأخير البيان لوقت الحاجة جائز عقلا باتّفاق ، وشرعا على الأصحّ ، وبأنّ الزجاج نقل في معانيه (٥) أنّه لا خلاف بين النّحويّين في أنّه يجوز في نحو : فما زالت تلك دعواهم ، كون تلك اسمها ، ودعواهم الخبر ، وبالعكس ، هذا كلامه.
قال المراديّ : ولا يلزم من إجازة الزجاج الوجهين في الآية جواز مثل ذلك في ضرب موسى عيسى ، لأنّ التباس الفاعل بالمفعول ليس كالتباس اسم «زال» بخبرها ، انتهى.
ولو كان ثمّ ما يؤمن معه اللبس من قرينة لفظيّة كالإعراب الظاهر في تابع أحدهما أو كليهما ، نحو : ضرب موسى عيسى الظريف ، أو اتّصال علامة الفاعل بالفعل ، نحو :
__________________
(١) هذه الجملة سقطت في «س».
(٢) هو لجرير بن عطية ، من كلمة يمدح بها عمر بن عبد العزيز بن مروان.
(٣) أحمد بن محمد أحمد أبو العباس الاشبيلي يعرف بابن الحاج ، قرأ على الشلوبين وأمثاله. وله على كتاب سيبريه املاء ، ومصنف في علوم القوافي ونقود على الصحاح و... ، مات سنة ٦٤٧ ه. المصدر السابق ١ / ٣٥٩.
(٤) المقرّب في النحو : لابن عصفور على بن مؤمن الحضرمي المتوفى سنة ٦٦٣ شرح على هذا الكتاب. كشف الظنون ٢ / ١٨٠٥.
(٥) أشار إلى كتاب «معاني القرآن» لجماعة منهم أبو إسحاق إبراهيم السري المعروف بالزجاج النحويّ المتوفى سنة ٣١١ ه. المصدر السابق ٢ / ١٧٣٠.