ضربت موسى سعدى ، أو اتّصال ضمير الثاني بالأوّل ، نحو : ضرب فتاه موسى ، أو معنويّة ، نحو : أرضعت الصغرى الكبرى ، لا يجب ذلك الأصل ، بل يجوز تقدّم المفعول.
تنبيه : معنى وجوب تقديم الفاعل في الصورة المذكورة أنّه لا يجوز أن يتقدّم المفعول على مجرّد الفاعل ، لكنّه يجوز تقديم المفعول على الفعل والفاعل معا ، فيجوز : موسى ضرب عيسى ، على أن يكون عيسى فاعلا ، لأنّه لا يلتبس المفعول حينئذ بالفاعل ، لعدم جواز تقديم الفاعل على الفعل (١) ، صرّح به الفاضل الهنديّ. قال بعضهم : ويمكن أن يقال تنتفي هاهنا القرينة ، لأنّ تقدّم موسى قرينة على أنّ الفاعل هو عيسى.
«أو كان الفاعل ضميرا متّصلا ، و» كان «المفعول متأخّرا عن الفعل» معا ، فيجب ذلك الأصل أيضا ، سواء كان الضمير بارزا كضربت زيدا ، أو مستترا كضرب غلامه ، وسواء كان اسما ظاهرا كما مرّ أو مضمرا منفصلا ، ك ما ضربت إلا إيّاك ، أو متّصلا كضربتك ، وقيّده بكونه متأخّرا ، لئلا ينتقض بنحو زيدا ضربت ، وإنّما وجب الأصل هنا لتعذّر التأخير من حيث إنّ الفاعل متّصل ، وتأخيره مع كونه كذلك لا يمكن.
وجوب تأخير الفاعل وتقديم المفعول : «ويمتنع» الأصل المذكور ، أي يجب تأخير الفاعل وتقديم المفعول عليه «إذا اتّصل به» أي بالفاعل «ضمير المفعول» ، نحو قوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) [البقرة / ١٢٤] ، وقوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) [غافر / ٥٢] ، إذ لو قدّم الفاعل وأخّر المفعول في ذلك للزم عود الضمير على متأخّر لفظا ورتبة ، وذلك لا يجوز إلا في الضرورة ومواضع مخصوصة ، وسيأتي ذكرها في بحث الضمائر إن شاء الله تعالى.
وأجازه الأخفش وابن جنيّ من البصريّين وأبو عبد الله الطوال (٢) من الكوفيّين في غير ضرورة بقلّة ، وتبعهم ابن مالك نظرا إلى أنّ استلزام الفعل للمفعول يقوم مقام تقديمه ، والشواهد على وروده كثيرة جدّا ، منها قوله [من الطويل] :
٩١ ـ ولو أنّ مجدا أخلد الدّهر واحدا |
|
من النّاس أبقى مجده الدّهر مطعما (٣) |
وقوله [من الطويل] :
__________________
(١) في هذه الجملة أيضا إبهام في تعيين الفاعل والمفعول لأنّه يمكن أن نعتبر عيسى مفعولا به والفاعل ضمير مستتر يعود إلى موسى ، مثل على نصر محمدا ، إذن لإيزال الإشكال باقيا ، فالأفضل أن نقول : لا يجوز تقديم المفعول على الفاعل والفعل إذا كان إعرابهما تقديريا.
(٢) محمد بن أحمد بن عبد الله الطوال النحوي ، أحد اصحاب الكسائي ، مات سنة ٢٤٣. بغية الوعاة ١ / ٥٠.
(٣) البيت لحسان بن ثابت يرثي مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي أحد أجواد مكة.