وإنّما لم يقل : أو إنّما ، لأنّ الواقع في إنّما ضرب عمرا زيد ، وإنّما ضرب زيد عمرا بعد إنّما هو الفعل لا الفاعل والمفعول ، وهما إنّما (١) وقعا بعد معنى إلا ، لأنّ إنّما تضمّن معنى ما وإلا ، ومعنى النّفي ملحوظ في صدر الكلام ، ومعنى إلا قبل آخر جزء من الكلام ، فالفاعل والمفعول واقعان بعد معنى إلا ، لا بعد إنّما وجب تأخّره ، فيجب تأخّر الفاعل في نحو : ما ضرب عمرا إلا زيد ، وإنّما ضرب عمرا زيد ، اذ المقصود حصر مضروبيّة عمرو في زيد ، أي ليس لعمرو ضارب إلا زيد مع جواز أن يكون زيد ضاربا لغير عمرو ، فلو قدّم والحال هذه ، وقيل ما ضرب زيد إلا عمرا ، وإنّما ضرب زيد عمرا ، كان معناه انحصار ضاربيّة زيد في عمرو ، أي ليس لزيد مضروب إلا عمرو ، مع جواز كونه مضروبا لغير زيد.
وهذا عكس الأول ، فينقلب المعنى ، ويجب تأخّر المفعول في نحو : ما ضرب زيد إلا عمرا ، وإنّما ضرب زيد عمرا ، كما وجب تأخّر الفاعل فيما تقدّم لئلا ينقلب الحصر المطلوب إذا قدّم.
وخالف الكسائي في المحصور بإلا ، وأجاز تقديمه مطلقا ، واستدلّ عليه فاعلا ، بقوله [من البسيط] :
٩٨ ـ ما عاب إلا لئيم فعل ذي كرم |
|
ولا جفا قطّ إلا جبّأ بطلا (٢) |
ومفعولا ، بقوله [من الطويل] :
٩٩ ـ تزوّدت من ليلى بتكليم ساعة |
|
فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها (٣) |
ووافقه ابن الانباريّ (٤) والفرّاء وجماعة على جوازه في هذه المسألة دون الأولى فارقين بأنّ الفاعل إذا تأخّر ، وكان المفعول المقصور عليه متقدّما ، كان تأخيره في اللفظ فقط ، لأنّه من المعلوم أنّه متقدّم في النية ، فحصل للمقصور عليه تأخير من وجه ، وهو النيّة بخلاف ما إذا كان الفاعل المقصور عليه متقدّما ، فإنّه عند تقدّمه وقع كلّ من الفاعل والمفعول في مرتبته فلم يحصل حينئذ ما يقتضيه الحال من تقديم غير المقصور عليه لفظا ورتبة ، وإنّما جاز ذلك في إلا دون إنّما ، لأنّ المقصور عليه بإلا معلوم ، تقدّم ، أو تأخّر ، فإنّ اقتران الاسم بإلا دليل على القصر عليه بخلاف إنّما ، فإنّه لا دليل معها على القصر إلا تأخير المقصور عليه.
__________________
(١) من «إنّما لم يقل» حتى هنا غير موجود في «س».
(٢) لم يسمّ قائله. اللغة : الجبّأ : الجبان.
(٣) نسب هذا البيت لمجنون بني عامر قيس بن الملوح.
(٤) عبد الرحمن بن محمد أبو البركات الأنباري النحويّ ، له المؤلفات المشهورة ، منها : الأنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين ، ميزان العربية ، حلية العربية و... مات سنة ٥٧٧ ه. المصدر السابق ٢ / ٨٧.