قال الرضيّ : وفيما قالوا نظر ، لأنّ كون الشيء مسندا ومسندا إليه شيء آخر في حالة واحدة لا يضرّ كما في قولنا : أعجبني ضرب زيد عمرا ، فأعجب مسند إلى ضرب ، وضرب مسند إلى زيد ، وأجيب بالفرق ، فإنّ كلا من المفعولين مسند ومسند إليه بإسناد تامّ بخلاف المثال ، فإنّ المصدر وإن كان مسندا إليه بإسناد تامّ ، إلا أنّه لم يكن مسندا بإسناد تامّ ، وردّ بأنّ كون الإسناد تامّا لا يعقل تاثيره في المنع ، ويؤيّده عدم قيام المفعول الثاني مقام الفاعل في نحو : زيد معلوم أبوه قائما مع عدم الإسناد التامّ ، فلو كان تمام الإسناد مانعا لأقيم لارتفاع المانع ، وإنّما المؤثر في امتناع كون الشيء مسندا ومسندا إليه هو قيام أحد الشيئين بالآخر ، وذلك فيما يكون بالنسبة إلى شيء واحد.
هذا ، والمنع مطلقا هو مذهب المتقدّمين ، وأمّا المتأخّرون فأجازوه في الأمن من اللّبس ، وذلك كما إذا كان الثاني في باب علمت ، والثالث في باب أعلمت نكرة ، والآخر فيهما معرفة ، نحو : علم زيدا قائم ، وأعلم زيدا عمرا قائم ، لأنّ التنكير يرشد إلى أنّه الخبر في الأصل ، وأمّا إذا حصل الالتباس فلا.
قال الرضيّ : والّذي أري أنّ النيابة عن الفاعل في الثاني ، والثالث يجوز قياسا ، معرفة كان النائب أو نكرة ، واللّبس مرتفع مع إلزام كلّ من المفعولين مركزه ، وذلك بأن يكون ما كان خبرا في الأصل بعدها ما كان مبتدأ ، فتقول في علمت زيدا أباك ، علم زيدا أبوك ، وفي أعلمتك زيدا أباك ، أعلمك زيدا أبوك.
وليس معنى المفعول مقام الفاعل أن يلي الفعل ، بل معناه أن يرتفع بالفعل ارتفاع الفاعل ، فالمرفوع في المثال الأوّل ثاني المفعولين ، وفي المثال الآخر ثالث المفاعيل ، ولا لبس مع لزوم المركز ، كما قالوا في ضرب موسى عيسى. قال : هذا من حيث القياس ، ولا شكّ أنّ السماع لم يات إلا بقيام مفعولي علمت لكون مرتبته بعد الفاعل بلا فصل ، والجار أحقّ بصفته ، وكذا لم يسمع إلا قيام أول مفاعيل أعلمت ، كقوله [من الكامل] :
١٠٢ ـ نبّئت عمرا غير شاكر نعمتي |
|
والكفر مخبثة لنفس المنعم (١) |
لا يقع نائب الفاعل مفعولا له ولا معه : «ولا» يقع نائب الفاعل «مفعولا له» ، سواء كان باللام أو بدونها ، كما يقتضيه الإطلاق ، فلا يقال : ضرب تاديب ، ولا ضرب للتأديب ، وهو مذهب الجمهور ، وأجاز بعضهم وقوعه إذا كان بالام ، معلّلا بأنّ
__________________
(١) هو من معلقة عنترة بن شداد العبسي. اللغة : التنبئة والتنبئ مثل الانباء ، وهذه من سبعة أفعال تتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل وهي : أعلمت وأرايت وأنبات ونبّأت وأخبرت وخبّرت وحدثت ، وإنّما تعدت الخمسة الّتي هي غير أعلمت وأ رأيت إلى ثلاثة مفاعيل لتضمنها معنى أعلمت. المخبثة : المفسدة.