المنصوب إنّما امتنع ، لأنّه لو أقيم مقام الفاعل ، صار مرفوعا ، فيفوت الإشعار بالعلية ، بخلاف ما إذا كان باللام ، فإنّ المفيد بالعلية هو اللام ، وهي موجودة فيه.
وردّ بأنّه يلزم منه جواز قيامة ، لو قامت قرينة تشعر بالعلية وليس كذلك ، بل المنع مطلقا حاصل ، وبأنّ النصب في الظرف مشعر بالظرفيّة مع جواز قيامه ، نحو : سير يوم الجمعة.
والجواب عن الأوّل بأنّ وجود القرينة محمول على فقدانها طردا للباب ، وعن الثاني بالفرق ، فإنّ ذات الظرف تقتضي الظرفيّة ، والنصب يدلّ على قصدها بخلاف المفعول له ، فإنّ ذاته لا تقتضي العلية ، وإنّما تعلم عليته بالنصب فافترقا.
وعلّل الرضيّ المنع مطلقا بأنّ النائب مناب الفاعل ينبغي أن يكون مثله في كونه من ضروريّات الفعل من حيث المعنى ، وليس المفعول له كذلك ، إذ ربّ فعل يفعل بلا غرض لكونه عبثا ، ولهذا كان كلّ مجرور ليس من ضروريات الفعل لا يقام مقام الفاعل ، كالمجرور بلام التعليل ، نحو : جئتك للسّمن ، فلا يقال جئ للسمن ، انتهى.
«ولا» مفعولا «معه» ، لأنّ الواو فيه تدلّ على المصاحبة ، فلو حذفت فاتت ، ويخرج عن كونه مفعولا معه ، ووجودها مانع من النيابة للزوم الانفصال ، إذ أصلها العطف ، فهي دليل الانفصال ، ونائب الفاعل كالفاعل في الاتّصال ، ولأنّه ليس من ضروريّات الفعل ، ولهذا امتنع نيابة التمييز والمستثنى أيضا ، وأجاز الكسائيّ نيابة التمييز لكونه في الاصل فاعلا ، فقال في طاب زيد نفسا : طيبت نفس ، وأمّا الحال فإنّها وإن كانت من ضروريّات الفعل ، لكنّ قلّة مجيئها في الكلام منعتها من النيابة عن الفاعل الّذي لا بدّ لكلّ فعل منه.
تعيين المفعول به له وإن لم يكن فالجميع سواء : «ويتعيّن المفعول به له» أي لوقوعه موقع الفاعل إذا وجد في الكلام بلا واسطة مع غيره من سائر المفاعيل الّتي تقع موقع الفاعل ، وهي المفعول المطلق الّذي ليس للتاكيد ، وظرف الزمان والمكان والمجرور بحروف ، تقول : ضرب زيد يوم الجمعة أمام الأمير ضربا شديدا في داره ، فيتعيّن زيد تعيّن وجوب عند البصريّين ، وذلك لأنّ غيره إنّما ينوب بعد أن يقدر مفعولا به مجازا ، فإذا وجد المفعول به حقيقة لم يقدّم عليه غيره ، لأنّ تقديم غيره عليه من تقديم الفرع على الأصل من غير موجب.
قال ابن هشام : ولأنّ المفعول به قد يكون فاعلا في المعنى كقولك : أعطيت عمرا دينارا ، ألا ترى أنّه أخذ ، وأوضح من هذا : ضارب زيد عمرا ، لأنّ الفعل صادر من زيد