ومنع البصريّون إقامة وصف المصدر والظرف مقام موصوفها ، فلا يقال في ضرب ضرب شديد : ضرب شديد ، ولا في صيم زمن طويل ، صيم طويل ، وأجازه الكوفيّون ، ويشترط في المجرور أن لا يلزم الجار وجها واحدا في الاستعمال ، كمذ ومنذ وربّ والكاف وما خصّ بقسم أو استثناء.
الثاني : المجرور إن جرّ بحروف زائد فلا خلاف في كونه هو النائب وحده ، وهو محلّ رفع بالنيابة كأحد ، فيما ضرب من أحد ، وإن جرّ بغيره ففيه أقوال : أحدها : وعليه الجمهور ، أنّ النائب هو المجرور وحده ، كما لو كان الجار زائدا ، الثاني : أنّه حرف الجرّ وحده ، وهو مذهب الفرّاء ، قال ابن هشام : ولقد أبعد في ذلك ، لأنّ الحروف لاحظّ لها في الإعراب لا لفظا ولا محلّا. الثالث : أنّه الجارّ والمجرور معا ، وهو قول ابن مالك. قال أبو حيّان : ولم يقل بذلك أحد غيره. وقال ابن هشام : إنّه غير ظاهر ، أي لأنّ نائب الفاعل مسند إليه ، ولا إسناد إلى مجموع الجار والمجرور. الرابع : أنّ النائب ضمير مبهم مستتر في الفعل ، وجعل مبهما ليحتمل ما يدلّ عليه الفعل من مصدر أو ظرف مكان أو زمان ، إذ لا دليل على تعيين أحدها. الخامس : أنّ النائب ضمير عائد على المصدر المفهوم من الفعل ، وهو قول ابن درستويه.
الثالث : إذا بني فعل لازم للمفعول ، ففي النائب أقوال : أحدها : ضمير المصدر ، نحو : جلس ، أي الجلوس ، وعليه الزجاجيّ وابن السّيّد (١). وجعل أبو حيّان فيه اختصاصا ، أي الجلوس المعهود. ثانيها : ضمير مجهول ، وعليه الكسائيّ وهشام ، لأنّه لمّا حذف الفاعل أسند الفعل إلى أحد ما يعمل فيه المصدر أو الوقت أو المكان ، فلم يعلم أيّ ها المقصود ، فأضمر ضمير مجهول. الثالث : أنّه فارغ ، لا ضمير فيه ، وعليه الفرّاء ، قاله في الهمع.
__________________
(١) أحمد بن أبان بن السّيّد اللغويّ الأندلسيّ ، كان عالما وإماما في اللغة والعربية ، صنّف : العالم في اللغة مائة مجلد ، شرح كتاب الأخفش ، مات سنة ٣٨٢ ه. المصدر السابق ١ / ٢٩١.