المبتدأ والخبر
ص : الثالث والرابع : المبتدأ والخبر.
فالمبتدأ : هو المجرّد عن العوامل اللفظيّة ، مسندا إليه أو الصفة الواقعة بعد نفي أو استفهام رافعة لظاهر أو ما في حكمه ، فإن طابقت مفردا فوجهان ، نحو : زيد قائم ، وأقائم وما قائم الزيدان ، أو زيد ، وقد يذكر المبتدأ بدون الخبر ، نحو : كلّ رجل وضيعته ، وضربي زيدا قائما ، وأكثر شربي السويق ملتوتا ، ولو لا علي (ع) لهلك عمر ، ولعمرك لأقومنّ ، ولا يكون نكرة إلا مع الفائدة.
ش : «الثالث والرابع» ممّا يرد مرفوعا لا غير ، «المبتدأ والخبر» ، وسمّي الأوّل مبتدأ ، تنبيها على أنّ حقّه التقديم ، والثاني خبرا تنبيها على أنّه مناط الفائدة حتى كأنّه الخبر الّذي هو كلام احتمل الصدق والكذب ، أو أنّه نفس الأخبار والأعلام.
«فالمبتدأ هو» الاسم حقيقة أو حكما ، وهذا كالجنس شامل للمحدود وغيره من الأسماء «المجرّد عن العوامل» جمع عامل ، وقد عرفت له معنيين ، والمقام صالح لكلّ منهما. «اللفظيّة» المنسوبة إلى اللفظ نسبة الفرد إلى كليّة أو المفعول إلى المصدر ، والمراد بها غير الزائدة إذ وجود الزائدة كالعدم ، وخرج به بقيّة المرفوعات.
فإن قيل : التجريد عن العوامل يقتضي سبق وجودها ، ولم يوجد في المبتدأ عامل قطّ ، قيل : قد ينزّل الإمكان مترلة الوجود ، كقولك للحفّار : ضيّق فم الركيّة (١) ، وقولهم : سبحان من صغّر جسم البعوضة ، وكبّر جسم الفيل ، وهو هنا من هذا القبيل.
لا يقال : التجريد سلب الوجود من حيث المعنى ، واللام في العوامل للاستغراق ، فيكون المعنى : المبتدأ هو الاسم الّذي لم يوجد فيه كلّ عامل لفظيّ ، وسلب الكلّ يوجب سلب العموم ، لا عموم السلب ، فيصدق عند عدم بعض العوامل ووجود البعض ، لأنّ التجريد عن شمول الوجود ، كما يكون بشمول العدم يكون بالافتراق أيضا ، لأنّا نقول : اللام في العوامل ليست للاستغراق ، بل للماهيّة وسلب ماهية العوامل يستلزم سلب كلّ فرد من أفرادها ، سلمنا أنّها للاستغراق ، فالتجريد وإن كان سلبا من حيث المعنى ، لكنّه ليس سلبا بسيطا ، بل على وجه العدول ، إذ النسبة إيجابيّة ، وإثبات التجريد عن جميع العوامل بأن لا يوجد فيه عامل على سبيل عموم السلب لا سلب العموم فيكون المعنى : هو الاسم الّذي لم يوجد فيه عامل لفظيّ ، سلّمنا أنّه بسيط فيفيد سلب العموم ، وسلب العموم يحتمل شمول العدم والافتراق ، إلا أنّ الأوّل متعيّن هنا
__________________
(١) الركيّة : البئر لم تطو.