الرابعة : بعد مبتدأ صريح في القسم ، نحو : «لعمرك» أو ليمين الله «لأقومنّ» ، أي لعمرك أو ليمين الله قسمي ، فحذف الخبر للعلم به ، إذ تعيّن ذلك للقسم دالّ على تعيين المحذوف ، ووجب الحذف لسدّ جوابه مسدّه ، ووجه تعيّنها للقسم أنّ اللام لا تستعمل معها إلا فيه ، ولا يجوز كونهما خبرين ، والمحذوف المبتدأ كما [قال أبو حيّان] في الإرتشاف ، وهي لا تكون في الخبر. قال أبو حيّان : وليست جواب قسم محذوف. قيل : لأنّ القسم لا يدخل على القسم ، وفيه نظر ، فقد ورد : (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ) [التوبة / ١٠٧] ، انتهى.
وجوّز ابن عصفور أن يكون المحذوف في ذلك هو المبتدأ ، والتقدير لقسمي عمرك ، والأوّل أولى ، لأنّ الحذف بالاعجاز أولى منه بالأوائل والاحتراز بالصريح من غير الصريح في القسم ، وهو ما يصلح له ولغيره ، نحو : عهد الله لأفعلنّ ، أي على ، فيجوز حذف على وإثباته ، لأنّه لا يشعر بالقسم ، حتى يذكر المقسم عليه ، بخلاف نحو : لعمرك وأيمن الله وأمانة الله ممّا هو صريح في القسم.
والعمر بضمّ العين وفتحها ، ويلزمه الفتح مع اللام ، لأنّ القسم موضع التخفيف لكثرة استعماله ، وهو مصدر محذوف الزوائد ، أصله تعميرك ، ومعناه البقاء والحياة ، فمعنى لعمرك لأقومنّ : وحياتك لأقومنّ ، ويلزم الإضافة إلى الظاهر والمضمر مع اللام ودونها. وللنحاة فيه كلام منتشرة لا نطوّل بذكره ، ويجوز إدخال الباء عليه كقوله [من الوافر] :
١٠٧ ـ رقيّ بعمركم لا تهجرينا |
|
ومنّينا المني ثمّ امطلينا (١) |
حذف خبر المبتدإ جوازا : واعلم أنّ المصنّف لو أخّر ذكر هذه المسائل بعد الخبر لكان أولى كما فعله جميع المصنّفين ، إذ قد تعرّض لذلك هنا ، فلنتمّم الفائدة بذكر حذف الخبر جوازا وحذف المبتدأ جوازا ووجوبا.
أمّا حذف الخبر جوازا فعند قيام القرينة ، نحو : قولك بعد الاستفهام عن المخبر عنه : زيد ، لمن قال : من عندك ، أي عندي زيد ، والعطف عليه ، نحو : زيد قائم وعمرو ، قال تعالى : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) [الرعد / ٣٥] أي دائم ، وفي غير ذلك ، نحو : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ... وَالْمُحْصَناتُ) [المائدة / ٥] أي حلّ لكم.
__________________
(١) هو لعبيد الله بن قيس الرقيات. اللغة : رقّي : ترخيم رقية ، وهي امرأة كان يتغزل بها الشاعر ، لا تهجرينا : لا تتركينا.