حذف المبتدإ وجوبا : وأمّا حذف المبتدأ وجوبا فحيث كان مخبرا عنه بنعت مقطوع إلى الرفع لمجرّد مدح ، نحو : الحمد لله الحميد ، أي هو الحميد ، أو لمجرّد ذمّ ، نحو : أعوذ بالله من إبليس عدوّ المؤمنين ، أو ترحّم ، نحو : أللهمّ ارحم عبدك المسكين.
وإن كان النعت لغير ذلك كالتخصيص (١) ، نحو : مررت بزيد الخياط ، جاز الإظهار والحذف ، أو أخبر عنه بمصدر جئ به بدلا من اللفظ بفعله نحو : سمع وطاعة ، قال [من الطويل] :
١٠٨ ـ وقالت حنان ما أتي بك ههنا |
|
... (٢) |
أي أمري سمع وطاعة وامري حنان.
أو بمخصوص نعم وبئس مؤخّرا عنهما ، نحو : نعم أو بئس الرجل زيد ، إذا قدّر خبرا ، فإن تقدّم ، نحو : زيد نعم الرجل ، فهو مبتدأ لا غير.
أو بصريح القسم ، نحو : في ذمتى لأفعلنّ ، أي في ذمتى ميثاق ، أو عهد عكس قولهم : لعمرك لأفعلنّ.
واعلم أنّ الأصل في المبتدإ المسند إليه أن يكون معرفة : لأنّ الغرض من الإخبارات إفادة المخاطب ما ليس عنده وتتريله مترلتك في علم ذلك الخبر ، والأخبار عن النكرة لا فائدة فيه ، «فلا يكون المبتدأ نكرة إلا مع» حصول «الفائدة» ، فإذا حصلت الفائدة فأخبر عن أيّ نكرة شيءت ، وجد شيء من الشرائط ، أو لم يوجد ، فيجوز أن تقول : كوكب انقضّ الساعة ، ولا يقال : رجل قائم.
هذا ما عوّل عليه المتقدّمون في ضابطة الابتداء بالنكرة ، ورأي المتأخّرون أنّه ليس كلّ أحد يهتدي إلى مواطن الفائدة فتتبعوها ، وأنهاها بعضهم إلى نيّف وأربعين موضعا ، أوردها السيوطيّ (٣) في الأشباه والنظائر.
وقال بعضهم : إنّ الضابط في ذلك قرب النكرة من المعرفة لا غير ، وفسّر قربها من المعرفة بأحد شيئين : إمّا باختصاصها كالنكرة الموصوفة ، أو بكونها في غاية العموم كقولنا : تمرة خير من الجرادة ، فعلى هذا الضابط لا حاجة لنا بتعداد الأماكن ، بل نعتبر كلّ ما يرد ، فإن كان جاريا على الضابط أجزناه وإلا فمنعناه.
__________________
(١) لغير ذلك كالتخصيص سقط في «س».
(٢) تمامه «أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف» ، وهو لمنذر بن درهم الكلبي.
(٣) الجلال السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر ، ولد وتوفّي بالقاهرة ، له نحو ٦٠٠ كتاب في التفسير والحديث والفقه واللغة والتاريخ ، منها «المزهر» في فلسفة اللغة ، و «بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنّحويّين» و «الأشباه والنظائر في النحو» توفي سنة ٩١١ ه. الأعلام للرزكلي ، ٤ / ٧١.