الغالب ، فيجعل المطلوب بالحكم عليه خبرا ، والآخر مبتدأ ، كقول ابي تمام (١) في صفة القلم [من الطويل] :
١١٢ ـ لعاب الأفاعي القاتلات لعابه |
|
وأري الجنى اشتارته أيد عواسل (٢) |
وكان على مقتضى القاعدة أن يقال : لعابه لعاب الأفاعي ، إذ المقصود تشبيه مداد قلم الممدوح بالسّم في حقّ الأعداء ، وبالعسل في حقّ الأولياء.
وهذا ممّا أجاب عنه البيانيّون بأنّه من التشبيه المعكوس ، فيكون المقدّم مبتدأ ، فلا نقص به على القاعدة.
قال ابن هشام : وهو ضعيف ، لأنّه نادر الوقوع ، مخالف للأصول ، أللهمّ إلا أن اقتضي المقام المبالغة. وإلى ندوره أشار المصنّف بأنّ العدول إليه من غير الغالب لمخالفته القاعدة.
وأمّا النّحويّون فيجعلونه من باب تقديم الخبر على المبتدإ جوازا لحصول القرينة المميّزة بين المبتدإ والخبر ، فنحو ذلك عندهم جايز كثير الاستعمال ، ومثله قول الآخر [من الطويل] :
١١٣ ـ بنونا بنو أبنائنا وبناتنا |
|
بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد (٣) |
فبنونا خبر مقدّم ، وبنو أبنائنا مبتدأ مؤخّر ، لأنّ المراد الحكم على بني أبنائهم بأنهم مثل بينهم لا عكسه. وكان الأولى بالمصنّف أن يقتضي أثر النّحويّين ، لأنّ كتابه في النحو لا في البيان.
تنبيه : ما ذكره من القاعدة هي طريقة أهل البيان ، وهو المشهور عند النّحويّين عند انتفاء القرينة ، وقيل : يجوز تقدير كلّ منهما مبتدأ وخبرا مطلقا ، لحصول الفائده للسامع ، قدّم الخبر ، أو أخّر ، وقيل : إن كان أحدهما مشتقّا والآخر اسما نحو : الفاضل زيد ، تعيّن المشتقّ للخبريّة وإن تقّدم ، والاسم للابتدائية وإن تأخّر ، لأنّ معنى المبتدإ المنسوب إليه ، ومعنى الخبر المنسوب ، والذات هي المنسوب إليه ، والصفة هي المنسوب ، وهو قول الفخر الرازيّ.
وأجيب بأنّ المعنى الشخص الّذي له الصّفة صاحب هذا الاسم فتصير الصّفة دالّة على الذات ومسندا إليها ، والاسم دالّ على الصفة ومسندا ، وقيل : إن كان أحدهما
__________________
(١) حبيب ابن أوس المعروف بأبي تمّام ولد سنة ١٨٠ ه وتوفّي سنة ٢٢٨ من شعراء العصر العباسي الأول.
(٢) اللغة : اللعاب : ما يسيل من الفم ، الأري : العسل ، اشتارته : استخرجته عواسل : جمع عاسلة ، أي : مستخرجة العسل.
(٣) نسب هذا البيت إلى الفرزدق وإلى عمر بن الخطاب ، وقال قوم لا يعلم قائلة ، مع شهرته في كتب النحاة وأهل المعاني.