الدؤلي حين ألقى عليه شيئا من أصول هذا النحو ، ثمّ قال له : «انح هذا النحو» فسمّي هذا العلم بـ «علم النحو».
بعد الدؤلّي ظهر كثير من العلماء الذين توافروا على علم النحو ، وقد كان للخليل بن أحمد الفراهيديّ ، أستاذ شيخ النحو سيبويه ، فضل كبير على هذا العلم. وقد أخذ عنه سيبويه ، وأكمل من بعده فروع هذا العلم ، وأكثر من أدلّته وشواهده وقواعده ، ووضع فيه كتابه المشهور «الكتاب».
في عصر الانحطاط وشيوع اللحن بصورة واسعة لدرجة أنّه غلب على سلامة اللغة ، ظهر نحاة كبار كابن مالك (٦٠٠ ـ ٦٧٢ ه) الّذي اشتهر بـ «ألفية» المعروفة في النحو ، وهي أرجوزة من ألف بيت وبيتين ، اختصر فيها أرجوزته «الكافية الشافية» الطويلة الّتي تقع في ١٧٥٧ بيتا.
وممّن ساهم في التإليف بعلم النحو أيضا عبد الله بن يوسف الأنصاري المعروف بابن هشام (٧٠٨ ـ ٧٦١ ه) الّذي نال شهرة واسعة بكتابه «مغني اللبيب» في النحو. واشتهر أيضا في النحو ابن آجروم (٦٧٣ ـ ٧٢٣ ه) ، وأهمّ مؤلّفاته «المقدّمة الآجروميّة في مبادي علم العربيّة».
ويمكن القول إنّ علم النحو الّذي اتّسع وتفرّعت أبوابه وازدادت الآراء فيه إبّان العصر العباسيّ ، وجد في عصر الانحطاط من يقصر من ذيوله ، ويحدّ من تشعباته كما نرى في ألفيّة ابن مالك والمغني لابن هشام وغيرهما.
وفي عصر الانحطاط أيضا ظهر الشيخ بهاء الدين العامليّ المعروف بالشيخ البهائيّ ، وهو من العلماء الّذين لو تبعهم المسلمون ، واستضاؤوا بأنوارهم الربّانيّة لوصلوا إلى أعلى المراتب والدرجات العلميّة في كلّ علم ولصاروا روّاد العلوم ، لأنّه (لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون / ١٤].
البهائي هو الّذي وضع كتابا في علم النحو سمّاه «الفوائد الصمدية». و «الفوائد الصمدية» كما جاء في مقدّمته «حوت من هذا الفن ما نفعه أعمّ ومعرفته للمبتدئين أهمّ ، وتضمّنت فوائد جليلة في قوانين الإعراب ، وفرائد لم يطّلع عليها إلا أولو الالباب». وقد حاول البهائيّ في هذا الكتاب أن يجمع آراء كبار النحاة في هذا المجال ، بحيث جاء كتابه حاويا لدقائق الأمور. فما من قاعدة من القواعد النحويّة إلا وأشار إليها بصورة موجزة ما جعل هذا الكتاب على الرغم من إيجازه الشديد وبلاغته حاويا لاهمّ القواعد النحويّة في اللغة العربية.