قال أبو محمد إليزيديّ : فمضينا إلى أبي مهديّ ، فوجدنا قائما يصلّي ، فلمّا قضي صلاته ، أقبل علينا ، فقال : ما خطبكما؟ فقلت : جئناك لنسألك عن شيء من كلام العرب ، قال : هاتياه ، فقلنا : كيف تقول : ليس الطيب إلا المسك ، فقال : أتأمرني بالكذب على كبر السّنّ ، فأين الزعفران ، وأين الجاديّ ، وأين بنّة الإبل الصادرة (١)؟ فقال له خلف الأحمر : ليس الشراب إلا العسل. قال : فما تصنع سودان هجر (٢) ما لهم غير هذا الثمر ، فلمّا رأيت ذلك ، قلت : كيف تقول : ليس ملاك الأمر إلا طاعة الله تعالى؟ فقال : هذا كلام لا دخل فيه ، ليس ملاك الأمر إلا طاعة الله تعالى ، والعمل بها ، ونصب ، فلقّنّاه الرفع ، فأبي ، وكتبنا ما سمعناه منه.
ثمّ جئنا إلى المنتجع ، فقلنا له : كيف تقول : ليس الطيب إلا المسك ، فقال : ليس الطيب إلا المسك ، فرفع ، وجهدنا به أن ينصب ، فلم ينصب ، فرجعنا إلى عمرو ، وعنده عيسى بن عمرو ، ولم يبرح بعد ، فأخبرنا بما سمعنا ، فأخرج عيسى خاتمه من يده ، فدفعه إلى أبي عمرو ، فقال : بهذا سدت الناس يا أبا عمرو.
حالات خبر الأفعال المذكورة مع اسمها إذا كانا معرفتين أو نكرتين : الثاني : للخبر مع الاسم حالات ، فإن كانا معرفتين ، فالاسم هو المعلوم للمخاطب مطلقا ، فإن علمهما ، وجهل انتساب أحدهما إلى الآخر ، فالاسم هو الأعرف على المختار ، ما لم يكن الآخر اسم اشارة ، اتّصل بها هاء التنبيه ، فيتعيّن للاسميّة ، فإن لم يكن أحدهما أعرف ، فالتخيير ، هذا هو المشهور. وقيل : المتكلّم بالخيار في جعل أي المعرفتين شاء الاسم والآخر الخبر ، وهي طريقة المتقدّمين. وذهب إلى ذلك من المتأخّرين ابن مضاء (٣) وابن طاهر (٤) والاستاذ أبو على وابن خروف وابن عصفور. قيل : وهو ظاهر كلام سيبويه ، وإن كانا نكرتين ولكلّ منهما مسوّغ ، فالتخيير أيضا ، وإن كان المسوّغ لأحدهما فقط ، فهو الاسم وإن كانا مختلفين ، فالمعرفة هو الاسم ، والنكرة هو الخبر ، ولا يعكس إلا في الضرورة ، وجوّزه ابن مالك اختيارا بشرط الفائدة ، وكون النكرة غير متمحضه للوصفية ، ومن وروده قوله [من الوافر] :
__________________
(١) البنّة : الرائحة المنتنة. ولعلّ قصده من هذه الجمل : أين الكلام الصحيح؟ وأين الكلام غير الصحيح؟
(٢) السودان جمع أسود ، جيل من الناس سود البشرة. وهجر اسم موضع فيه تمر.
(٣) أحمد بن عبد الرحمن بن مضاء اللخميّ ، كان له تقدّم في علم العربية ، صنفّ : المشرق في النحو ، الردّ على النّحويّين و... مات ٥٩٢ ه. المصدر السابق ١ / ٣٢٣
(٤) عبد الله بن حسين بن طاهر فقيه نحوي ، له تصانيف منها ، المفتاح الإعراب في النحو مات ١٢٧٢ ه. الأعلام للزركلي ٥ / ٢١٠.