نحو : كان في الدار رجل لكون الخبر ظرفا مسوّغا للابتداء ، ونوزع في الأوّل بأنّ عود الضمير هنا على الاسم ، ورتبته التقديم ، فلا يمتنع ، وفي الأخيرى ن بأنّهما لا يقتضيان وجوب التوسط بل عدم التأخّر ، ولا يمنعان تقديم الخبر ، نحو : في الدار كان ساكنها ، وفي الدار كان رجل.
الثاني : قضية إطلاقه جواز توسّط الخبر ، ولو كان فعلا ، نحو : كان يقول زيد ، على جعل زيد اسم كان ، وهو ما صحّحه ابن عصفور وابن مالك ، ومنعه بعضهم قياسا على المبتدإ المخبر عنه بفعل ، فإنّه لا يتقدّم خبره كزيد قال ، والأوّل هو الصحيح. كما في المغني قال ، اذ لا تلتبس الجملة الاسمية بالفعلية ، انتهى.
جواز تقدّم الخبر عليها : ويجوز في ما سوى الخمسة الأواخر وهي الّتي في أوّلها ما تقدّمه ، أي الخبر عليها ، ولو كان جملة على الأصحّ ، ذلك حيث لا موجب له ، كأن يكون من أدوات الصدر ، نحو : أين كان زيد ولا مانع منه كما إذا دخلته أداة الحصر ، نحو : قائما ، أو خيف اللبس ، نحو : كان صاحبي عدوّي ، فجواز التقدّم بمعنى سلب ضرورة الطرفين محلّه ما عدا ذلك ، نحو : قائما كان زيد ، وإن حمل على الجواز بمعنى مقابل الامتناع كان أعمّ ممّا تقديمه واجب وجائز كما قلناه في جواز التوسّط ، وجاز تقدمّه بدليل قوله تعالى : (أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) [سبأ / ٤٠] ، (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) [الأعراف / ١٧٧] ، فإيّاكم وأنفسكم معمولان لخبر كان ، وقد تقدّما عليها.
قد يتقدّم المعمول حيث لا يتقدّم العامل : وتقديم المعمول يؤذن بجواز تقديم العامل ، قاله ابن مالك في شرح التسهيل ، وسبقه إلى ذلك الفارسيّ وابن جنيّ وغيرهما من البصريّين ، وهو غير لازم. فقد يتقدّم المعمول حيث لا يتقدّم العامل بدليل تجويزهم زيدا لم أضرب ، وعمرا لن أضرب ، مع امتناع تقدّم أضرب على لم ولكن ، قال بعضهم : وأحسن ما يستشهد به على ذلك بيت العروض [من الرمل] :
١٢٤ ـ إعلموا أنّي لكم حافظ |
|
شاهدا ما كنت أو غائبا (١) |
وإنّها امتنع في الخمسة الأواخر لاقترانها بما وهي مانعة ، لأنّها إمّا نافية ، وهي من أدوات الصدر أو مصدريّة ، ومعمول المصدر لا يتقدّم عليه ، ومنع ذلك في دام متّفق عليه ، وأمّا الأربعة الآخر وغيرها ممّا نفي بما من هذه الأفعال ، وإن لم يكن النفي شرطا في عمله مختلف فيه.
__________________
(١) هو لابن عبد ربه الأندلسي.