من أجاز من النّحويّين تقديم خبر ليس عليها ينبغي أن لا يجيز ذلك هنا ، لأنّها تجرى مجرى إلا ، فكما لا يجوز : قام القوم زيدا إلا ، لا يجوز قام القوم زيدا ليس.
جواز كون الأفعال الناقصة تامّة : ويجوز في ما عدا فتئ وليس (١) وزال أن تكون تامّة ، أي مستغنية عن الخبر كما أنّ معنى كونها ناقصة عدم الاستغناء عنه ، هذا هو الصحيح الّذي عليه المحقّقون ، وصحّحه نجم الأئمة وفاضل الأمة (٢).
وذهب الأكثرون إلى أنّ معنى تمامها دلالتها على الحدث والزمان زعما منهم أنّ معنى نقصانها عدم دلالتها على الحدث كما مرّ. قال نجم الأئمة : وليس بشيء ، لأنّ كان في «كان زيد قائما» يدلّ على الكون الّذي هو الحصول المطلق ، وخبره يدلّ على الكون المخصوص ، وهو كون القيام أي حصوله فجيء أوّلا بلفظ دالّ على حصول ما ، ثمّ عيّن بالخبر ذلك الحاصل ، فكأنّك قلت : حصل شيء ، ثمّ قلت : حصل القيام ، فالفائدة في إيراد مطلق الحصول أوّلا ، ثمّ تخصيصه كالفائدة في ضمير الشأن قبل تعيين الشأن مع فائدة أخري هاهنا ، وهي دلالته على تعيين زمان ذلك الحصول المقيّد ولو قلنا : قام زيد ، لم تحصل هاتان الفائدتان معا فكان يدلّ على حصول حدث مطلق تقييده في خبره ، وخبره يدلّ على حدث معيّن واقع في زمان مطلق تقييده في كان. لكنّ دلالة كان على الحدث المطلق أي الكون وضعيّة ، ودلالة الخبر على الزمان المطلق عقليّة.
أمّا سائر الأفعال الناقصة نحو : صار الدالّ على الانتقال ، وأصبح الدّال على الكون في الصبح أو الانتقال ، ومثله أخواته ، ومادام الدّالّ على معنى الكون الدائم ، ومازال الدّالّ على الاستمرار ، وكذا أخواته ، وليس الدّالّ على الانتفاء ، فدلالتها على حدث معيّن لا يدلّ عليه الخبر في غاية الظهور ، فكيف يكون جميعها ناقصة بالمعنى الّذي قالوه ، انتهى.
واستدلّ ابن مالك على بطلان قولهم أيضا بعشرة أوجه ذكرها في شرح التسهيل ، إلا أنّه استثني ليس ، فوافق الأكثرين على عدد دلالتها على الحدث. وإذا استعملت هذه الأفعال تامّة ، كانت بمعنى فعل لازم ، فكان بمعنى حصل ، نحو : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) [البقرة / ٢٨٠] ، أي انتقل ، وصار بمعنى رجع ، نحو : (إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) [الشوري / ٥٣] ، أي ترجع ، وأصبح وأمسي بمعنى دخل في الصباح والمساء ، نحو : (فَسُبْحانَ اللهِ
__________________
(١) سقط ليس في «س».
(٢) لم اقع على ترجمة له.