«ولكنّ» بتشديد النون ، وهي بسيطة خلافا للكوفيّين ، ومعناها الاستدراك ، وفسّر بأنّ تنسب لما بعدها حكما مخالفا لحكم ما قبلها ، ولذلك لا بدّ أن يتقدّمها كلام مناقض لما بعدها ، نحو : ما هذا ساكنا لكنّه متحرك ، أو ضدّ نحو : ما هذا أبيض لكنّه أسود ، أو خلاف له على الأصحّ نحو : ما زيد قائما لكنّه شارب. ويمتنع أن يكون موافقا له باتّفاق ، قاله أبو حيّان في النكت الحسان.
معنى الاستدراك : وقيل : تكون للتوكيد تارة وللاستدراك [تارة] أخري. قاله ابن العلج (١) وجماعة ، وفسّروا الاستدراك برفع ما توهّم ثبوته أو نفيه من الكلام السابق ، تقول : زيد شجاع ، فيوهم إثبات الشجاعة لزيد ، إثبات الكرم له ، لأنّ الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان ، فإذا أردت رفع هذا التوهّم تأتي بلكنّ فتقول : لكنّه بخيل ، وقس على ذلك النفي والتوكيد ، نحو : لو جاءني أكرمته لكنّه لم يجي ، أكّدت ما أفادته لو من الامتناع ، وقيل هي للتوكيد دائما ، وقد تعطي مع ذلك معنى الاستدراك.
«وكأنّ» بتشديد النّون ، وهي حرف مركّب عند أكثرهم ، حتى ادّعى ابن هشام الخضراويّ وابن الخباز الإجماع عليه ، وليس كذلك ، بل ذهب بعضهم إلى أنّها بسيطة ، وادّعى صاحب رصف المباني (٢) أنّه قول أكثرهم ، وأطلق الجمهور أنّها للتشبيه وهو معناها المتّفق عليه.
وزعم جماعة منهم ابن السّيّد أنّها لا تكون لذلك إلا إذا كان خبرها اسما جامدا ، نحو : كأنّ زيدا قائم أو في الدار أو عندك أو يقوم ، فإنّها في ذلك كلّه للظنّ ، لأنّ الخبر هو الاسم ، والشيء لا يشبه بنفسه.
قال الرضيّ : والأولى أن يقال هي في ذلك للتشبيه أيضا ، والمعنى كأنّ زيدا شخص قائم ، حتى يتغاير الاسم والخبر حقيقة ، فيصحّ التشبيه ، إلا أنّه لمّا قام الوصف مقام الموصوف ، وجعل الاسم بسبب التشبيه كأنّه الخبر بعينه ، صار الضمير من الخبر يعود إلى الاسم لا إلى الموصوف المقدّر ، فلذلك تقول : كأنّي أمشي ، وكأنّك تمشي ، والأصل كأنّي رجل أمشي ، وكأنّك رجل تمشي ، انتهى.
ثمّ القائل بأنّها مركّبة ، يقول بأنّها للتشبيه المؤكّد لتركيبها من الكاف المفيدة للتشبيه وأنّ المفيدة للتأكيد ، فكأنّ زيدا أسد ، أصله أنّ زيدا كأسد ، قدّمت الكاف على أنّ
__________________
(١) لم أقع على ترجمه له.
(٢) رصف المباني في حروف المعاني في النحو لأحمد بن عبد النور المالقيّ المتوفى سنة ٧٠٢ ه كشف الظنون ٢ / ٩٠٨.