«وليت» وقد يقال لتّ بإبدال تاء ، وإدغامها في التاء ، ولوت ، وهي للتمنّي ، وهو طلب حصول شيء مستحيل أو ممكن غير متوقّع على سبيل المحبّة ، كذا قيل ، والأولى أن يقال : إظهار محبّة شيء مستحيل من حيث إنّه مستحيل (١) أو ممكن غير متوقع ، لأنّ التمنّي ليس بطلب ، لا سيّما مع العلم باستحالته ، ثمّ تعلّقه بالأول كثير ، كقوله [من الوافر] :
١٤٠ ـ ألا ليت الشّباب يعود يوما |
|
فأخبره بما فعل المشيب (٢) |
وما ألطف قول الدمامينيّ مضمّنا لبعض صدر هذا البيت مع التورية المرشحة (٣) [من المتقارب] :
١٤١ ـ رماني زماني بما ساءني |
|
فجاءت نحوس وغابت سعود |
وأصبحت بين الوري بالمشيب |
|
عليلا فليت الشباب يعود (٤) |
وبالثاني قليل ، نحو : ليت زيدا يحسن إلى من أساء إليه ، ولكن يجب في التّمنّي إذا كان متعلّقه ممكنا كهذا أن لا يكون لك توقّع وطماعية في وقوعه ، وإلا صار ترجيّا ، ولا يكون في الواجب ، فلا يقال : ليت غدا يجيء.
جواز الاشتغال من الحروف : قال ابن جنيّ في الخاطريّات : لأنّه يا ليته حقّه ، أي انتقصه إيّاه ، يجوز أن يكون من قولهم ليت لي كذا ، وذلك أنّ المتمنّي للشيء معترف لنقصه عنه وحاجته إليه. فإن قلت كيف يجوز الاشتقاق من الحروف ، قيل : وما في ذلك من الإنكار ، وقد قالوا : أنعم له بكذا. أي قال له نعم ، وسوّفت الرّجل إذا قلت له : سوف أفعل ، وسألتك حاجة ، فلو ليت لي ، أي قلت : لي لولا ، ولا ليت لي ، أي قلت : لي لا لا. فإن قيل : فكان يجب على هذا أن يكون في قولهم لأنّه يا ليته معنى التمنّي كما أنّ في أنعمت معنى الإجابة ، وفي لو ليت معنى التعذّر ، وفي لا ليت معنى الرّدّ ، قيل : قد يكون في المشتقّ اقتصار على بعض ما في المشتقّ منه كما سمّوا الحرم النالة ، وذلك أنّه لا ينال من حلّه ، وهذه فعله من نال ، هو نقيض لا ينال ، وجاز الاشتقاق من الحروف ، لأنّه ضارعت أصول كلامهم الأوّل ، إذا كانت جامدة غير مشتقّة ، كما أنّ الأوائل كذلك ، انتهى ملخّصا.
__________________
(١) سقط هذه الجملة في «ح».
(٢) البيت لأبي العتاهية شاعر العصر العباسي المتوفى سنة ٢١٨ ه. ق اللغة : المشيب : سن الشيب.
(٣) التورية المرشحة هي الّتي اقترنت بما يلائم المعنى القريب.
(٤) اللغة : النحوس : جمع نحس بمعنى الجهد والضّر. ويقال أمر نحس : مظلم ، ويوم نحس : يوم لم يصادف فيه خير ، السعود : جمع سعد بمعنى اليمن ، الورى : الخلق.